للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَحْزَنُونَ﴾. فهذا النبأُ (١) الذي بلَّغ اللَّهُ [رسولَه والمؤمنين] (٢) ما قال الشهداءُ (٣).

وفى نصبِ قولِه: ﴿فَرِحِينَ﴾. وجهان؛ أحدُهما، أن يكونَ منصوبًا على الخروجِ (٤) من قولِه: ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾. والآخرُ من قولِه: ﴿يُرْزَقُونَ﴾. ولو كان رفعًا بالردِّ على قولِه: "بل أحياءٌ فرِحون"، كان جائزًا.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠)﴾.

يعنى بذلك تعالى ذكرُه: ويفرَحون بمن لم يلحَقْ بهم من إخوانِهم الذين فارقوهم وهم أحياءٌ في الدنيا على مناهجِهم، من جهادِ أعداءِ اللَّهِ مع رسولِه، لعلمِهم بأنهم إن اسْتُشهدوا فلحِقوا بهم، صاروا من كرامةِ اللَّهِ، إلى مثلِ الذي صاروا هم إليه، فهم لذلك مستبشرون بهم، فرِحون أنهم إذا صاروا كذلك، لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، يعنى بذلك: لا خوفٌ عليهم؛ لأنهم قد أمِنوا عقابَ اللَّهِ، وأيقنوا برضاه عنهم، فقد أمِنوا الخوفَ الذي كانوا يَخافونه من ذلك في الدنيا، ولا هم يحزَنون على ما خلَّفوا وراءَهم من أسبابِ الدنيا، ونكَدِ عيشِها، للخفضِ الذي صاروا إليه، والدَّعَةِ والزُلْفَةِ (٥).

ونصبُ ﴿أَلَّا﴾ بمعنى: يستبشرون لهم بأنهم لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزَنون.


(١) في ص، ت ١: "الثناء".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "ورسوله المؤمنين".
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٩٥ إلى المصنف.
(٤) يعنى بالنصب على الخروج أنه منصوب على الحالية. وانظر ما تقدم في ٤/ ٣٩٩، ٤٠٠، ٥/ ٥٦١، ٥٧٢، ٥٩٧.
(٥) في الأصل: "الراحة". والخفض: لين العيش وسعته. والزلفة: القربة والدرجة والمنزلة. (خ ف ض)، اللسان (ز ل ف).