للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: واللهُ أعْلَمَكم ما لم تكونوا تَعْلَمُون مِن بعدِ ما أَخْرَجَكُم مِن بطونِ أمهاتِكم لا تَعْقِلون شيئًا ولا تَعْلَمون، فرزَقَكم عقولًا تَفْقَهون بها، وتُمَيِّزُون بها الخيرَ من الشرِّ، وبصَّركم [بها ما] (١) لم تكونوا تُبْصِرون (٢)، وجعَل لكم السمعَ الذي تَسْمَعون به الأصواتَ، فيَفْقَهُ بعضُكم عن بعضٍ ما تَتَحاوَرون به بينَكم، والأبْصارَ التي تُبْصِرون بها الأشخاصَ، فتَتَعارَفون بها، وتُمَيِّزون بها بعضًا من بعضٍ ﴿وَالْأَفْئِدَةَ﴾. يقولُ: والقلوبَ التي تَعْرِفون بها الأشياءَ فتَحْفَظونها، وتُفَكِّرون فتَفْقَهون بها، ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. يقولُ: فعَلْنا ذلك بكم، فاشْكُرُوا اللَّهَ على ما أنعم به عليكم من ذلك، دونَ الآلهة والأنداد، فجَعَلْتُم له شُركاء (٣) في الشكرِ، ولم يَكُنْ له فيما أنْعَم به عليكم مِن نعمةٍ شريكٌ.

وقولُه: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾. كلامٌ مُتَناهٍ، ثم ابْتُدِئ (٤) الخبرُ، فقيل: وجعَل اللهُ لكم السمعَ والأبصارَ والأفئدةَ. وإنما قلنا: ذلك كذلك؛ لأن الله تعالى ذكرُه جعَل لعبادِه (٥) السمعَ والأبصارَ والأفئدةَ قبلَ أن يُخْرِجَهم مِن بطونِ أمهاتِهم، وإنما أعطاهم العلمَ والعقلَ بعدَ ما أخْرَجَهم مِن بطونِ أمهاتِهم.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي


(١) في ت ١: "بما"، وفى ت ٢: "بها".
(٢) بعده في ص: "بها".
(٣) في ت ٢: "شريكا".
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "ابتدأ".
(٥) في م: "العبادة و".