وقولُه: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾. يقولُ: وأن الله بأعمالكم، أيُّها الناسُ، من خيرٍ أو شرٍّ ذو خبرة وعلم، لا يَخْفَى عليه منها شيءٌ، وهو مُجازيكم على جميعِ ذلك. وخرَج هذا الكلامُ خِطابًا لرسولِ اللهِ ﷺ والمعنيُّ به المشرِكون، وذلك أنه تعالى ذكرُه نبَّه بقولَه: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ على موضع حُجَّتِه - مَن جَهل عظمتَه، وأشرَك في عبادتِه معه غيرَه، يَدُلُّ على ذلك قولُه تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ﴾.
يقولُ تعالى ذكرُه: هذا الذي أخبَرتُك، يا محمدُ، أن الله فعَله من إيلاجِه الليلَ في النهارِ والنهارَ في الليلِ، وغيرِ ذلك من عظيمِ قُدرَتِه، إنما فعَله بأنه هو اللَّهُ حقًّا، دونَ ما يدعوه هؤلاء المشرِكون به، وأنه لا يَقْدِرُ على فعلِ ذلك سِواه، ولا تَصْلُحُ الألوهةُ إلا لمن فعَل ذلك بقُدْرِته.
وقولُه: ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وبأن الذي يَعْبُدُ هؤلاء المشركون من دونِ اللهِ - الباطلُ الذي يَضْمَحِلُّ، فَيَبِيدُ ويَفْنى، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وبأن الله هو العليُّ، يقولُ: هو ذو العُلوِّ على كلِّ شيءٍ، وكلُّ ما دونَه فله مُتذلِلٌ منقادٌ، الكبيرُ الذي كلُّ شيءٍ دونَه فله مُتَصَاغِرُ.