للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عباسٍ: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ﴾. قال: الأُمِّيون قومٌ لم يُصَدِّقوا رسولًا أرسَله اللهُ، ولا كتابًا أنزَله اللهُ، فكتبوا كتابًا بأيديهم، ثم قالوا لقومٍ سَفِلَةٍ جُهَّالٍ: ﴿هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾. وقال: قد أَخبر أنهم يكتُبون بأيديهم، ثم سمَّاهم أُمِّيِّين لجُحُودِهم كتبَ اللهِ ورُسُلَه (١).

وهذا التأويلُ تأويلٌ على خلافِ ما يُعرَفُ من كلامِ العربِ المُستفيضِ بينَهم، وذلك أن الأُميَّ عندَ العربِ هو الذى لا يكتُبُ.

قال أبو جعفرٍ: وأَرى أنه قِيلَ للأُميِّ: أُميٌّ. نسبةً له، بأنه لا يَكتُبُ، إلى أُمِّه؛ لأن الكتابَ كان في الرجالِ دُونَ النساءِ، فنُسِبَ مَن لا يَكتبُ ولا يَخُطُّ من الرجالِ إلى أُمِّه في جهْلِه بالكتابةِ دونَ أبيه، كما ذكرنا عن النبيِّ من قولِه: "إنّا أمةٌ أُمِّيّةٌ لا نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ". وكما قال: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [الجمعة: ٢].

فإذا كان معنى الأميِّ في كلامِ العربِ ما وَصَفْنا، فالذى هو أَوْلَى بتأويلِ الآيةِ ما قاله النَّخَعيُّ مِن أن معنى قولِه: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ﴾: ومنهم مَن لا يُحْسِنُ أن يكتُبَ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾.

يعنى بقولِه: ﴿لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ﴾: لا يعلمون ما في الكتابِ الذى أَنزَله اللهُ ولا يَدرون ما أَوْدَعه اللهُ من حُدودِه وأحكامِه وفرائِضِه، كهيئةِ البهائمِ.

كالذى حدَّثنى الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ في قولِه: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾: إنما هم أمثالُ البهائمِ لا يَعْلَمُون شيئًا (٢).


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٨٢ إلى المصنف، وذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ١٦٧، وقال: في صحة هذا عن ابن عباس -بهذا الإسناد- نظر.
(٢) تفسير عبد الرزاق ١/ ٥٠.