للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا قَسَمٌ من الله جلَّ ثناؤُه، أقسم به أن رسلَه صلواتُ اللهِ عليهم قد أتَت بنى إسرائيلَ الذين قصَّ الله قَصصَهم، وذكَر نبأَهم في الآيات التي تقدَّمَت مِن قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ [المائدة: ١١]. إلى هذا الموضع - ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾؛ يعني: بالآياتِ الواضحةِ، والحُججِ البينةِ على حقيقة (١) ما أُرسِلوا به إليهم، وصحةِ ما دعَوْهم إليهِ من الإيمانِ بهم، وأداءِ فرائضِ اللَّهِ عليهم. يقولُ اللَّه عزَّ ذِكرُه: ﴿ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾. يعنى أن كثيرًا من بني إسرائيلَ.

والهاءُ والميمُ في قوله: ﴿ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ﴾. مِن ذِكْرِ بنِى إسرائيلَ. وكذلك ذلك في قولِه: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ﴾.

﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾. يعني: بعدَ مَجيء رسلِ الله بالبيناتِ ﴿فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾. يعنى أنهم في الأرض لعامِلون بمعاصِي الله، ومُخالفون أَمْرَ اللَّهِ ونَهْتِه، ومُحادُّو الله ورسلِه، باتِّباعهم أهواءَهم، وخلافِهم على أنبيائِهم، وذلك كان إسرافَهم في الأرض.

القولُ في تأويل قوله: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾.

وهذا بَيانٌ مِن اللَّهِ عزَّ ذِكْرُه عن حكمِ الفسادِ في الأرضِ الذي ذكَره في قوله: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ﴾. أَعْلَمَ عِبادَه ما الذي يَسْتَحِقُّ المُفسدُ في الأرضِ مِن العُقوبةِ والنَّكَالِ، فقال : لا جزاءَ له في الدنيا إلا القتلُ والصَّلْبُ، وقطعُ اليد والرِّجلِ مِن خِلافٍ، أو النَّفْى من الأرض؛ خِزيًا لهم، وأما في الآخرة إن لم يَتُبْ في


(١) في م: "حقية".