للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتأويلُ الآيةِ إذن: إن أوَّلَ بيتٍ وُضِع للناسِ مباركًا وهدًى للعالمين، للذى ببكَّةَ، فيه علاماتٌ بيِّناتٌ من قدرةِ اللهِ، وآثارِ خليلِه إبراهيمَ، منهن أثرُ قدمِ خليلِه إبراهيمَ في الحجَرِ الذي قام عليه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾.

اخْتَلف أهلِ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: تأويلُه الخبرُ عن أن كلَّ مَن جرَّ في الجاهليةِ جَريرةً، ثم عاذ بالبيتِ، لم يكنْ بها مأخوذًا.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾: وهذا كان في الجاهليةِ؛ كان الرجل لو جَرَّ كلَّ جَريرةٍ على نفسِه، ثم لَجَأ إلى حرَمِ اللهِ، لم يُتناوَلْ ولم يُطلَبْ، فأما في الإسلامِ، فإنه لا يَمنَعُ مِن حدودِ اللَّهِ؛ مَن سرَق فيه قُطِع، ومن زنَى فيه أُقيم عليه الحدُّ، ومن قتَل فيه قُتِل.

وعن قتادةَ أن الحسنَ كان يقولُ: إنَّ الحرَمَ لا يَمنَعُ من حدِّ (١) اللَّهِ؛ لو أصاب حدًّا في غيرِ الحرَمِ، فلجأ إلى الحرِمِ، لم يمنَعْه ذلك أن يُقام عليه الحدُّ. ورأَى قتادةُ ما قاله الحسنُ (٢).

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾. قال: كان ذلك في الجاهلية، فأما اليومَ


(١) في م، س: "حدود".
(٢) أخرجه الأزرقى في أخبار مكة ١/ ٣٦٨ من طريق يزيد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٥٤ إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.