للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلقِه عن حُجَّةٍ للهِ قد أُثْبِتَت له، وقطَعَت عُذرَه، وعبرةٍ قد عايَنها ورآها، ﴿وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾. يقولُ: ولِيعِيشَ (١) مَن عاش منهم عن حُجَّةٍ للهِ قد أُثْبِتَت له، وظهَرَت لعينِه، فعلِمها، جمَعَنا بينَكم وبينَ عدوِّكم هنالك.

وقال ابنُ إسحاقَ فى ذلك بما حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [أي: لِيَكْفُرَ مِن كَفَر بعدَ الحُجَّةِ] (٢)؛ لما رأَى مِن الآياتِ والعبر، ويُؤْمِنَ مَن آمن على مثلِ ذلك (٣).

وأما قولُه: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. فإن معناه: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ﴾ أيُّها المؤمنون ﴿لَسَمِيعٌ﴾ لقولِكم وقولِ غيرِكم حينَ يُرِى اللهُ نبيَّه في منامِه، ويُرِيكم عدوَّكم في أعينِكم قليلًا، وهم كثيرٌ، ويرَاكم عدوُّكم في أعينِهم قليلًا (٤)، ﴿عَلِيمٌ﴾ بما تُضْمِرُه نفوسُكم، وتَنْطَوِى عليه قلوبُكم حينئذٍ، وفي كلِّ حالٍ.

يقولُ جلَّ ثناؤُه لهم ولعبادِه: واتَّقُوا ربَّكم أيُّها الناسُ في مَنْطِقِكم أن تَنْطِقوا بغيرِ حقٍّ، وفى قلوبِكم أن تَعتَقِدوا فيها غيرَ الرُّشْدِ، فإن اللهَ لا يَخْفَى عليه خافيةٌ مِن ظاهرٍ أو باطنٍ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٤٣)﴾.

يقولُ تعالى ذِكرُه: وإن اللهَ يا محمدُ سميعٌ لما يقولُ أصحابُك، عليمٌ بما


(١) في ص، س، ف: "ليعسن".
(٢) سقط من النسخ. والمثبت من سيرة ابن هشام، وهو ما يقتضيه السياق.
(٣) سيرة ابن هشام ١/ ٦٧٢، ٦٧٣.
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "كثيرًا".