والذي هو أوْلَى القولين بتأويل الآيةِ عندِى في ذلك ما قاله ابن عباسٍ، وهو أن معنى ذلك: وأن يَعْفوَ بعضُكم لبعضٍ أيُّها الأزواجُ والزوجاتُ بعدَ فِراقِ بعضِكم بعضًا، عما وجَب لبعضِكم قِبَلَ بعضٍ، فيتْرُكَه له إن كان قد بَقِيَ له قِبَلَه، وإن لم يَكُنْ بَقِيَ له فبأن يُوفيَه بتمامِه، أقربُ لكم إلى تقوى اللهِ.
فإن قال قائلٌ: وما في الصفحِ عن ذلك مِن القُربِ مِن تقوى اللهِ فيُقالَ للصافحِ العافِى عما وجَب له قِبَلَ صاحبِه: فِعْلُكَ ما فَعَلْتَ أَقْربُ لك إلى تقوى اللَّهِ؟
قِيلَ له: الذي في ذلك مِن قُربِه من تقوى اللهِ مسارعتُه في عفوِه ذلك إلى ما ندَبه اللهُ إليه، ودعَاه وحضَّه عليه، فكان فِعلُه ذلك، إذا فَعَلَهِ ابْتِغاءَ مَرْضاةِ اللَّهِ وإِيثَارَ ما ندَبه إليه على هَوَى نفسِه، معلومًا به إذ كان مُؤثِرًا فِعْلَ ما ندَبه إليه مما لم يَفْرِضْه عليه على هَوَى نفسِه، أنه لِما فرَضَه عليه وأوْجَبه أشدُّ إيثارًا، ولِما نَهاه أشدُّ له تَجنُّبًا. وذلك هو قُربُه مِن التقوى.
القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾.
يقولُ تعالى ذِكْرُه: ولا تُغْفِلوا أيُّها الناسُ الأخْذَ بالفضلِ، بعضُكم على بعضٍ، فَتترُكوه، ولكن لِيَتَفضَّلِ الرجلُ المُطلِّقُ زوجتَه قبلَ مسيسِها، فيُكْمِلَ لها تمامَ صداقِها إن كان لم يُعْطِها جميعَه، وإن كان قد ساق إليها جميع ما كان فرَض لها فليتفضَّلْ عليها بالعفوِ عما يَجِبُ له ويَجوزُ له الرجوعُ به عليها، وذلك نِصفُه، فإن شحَّ الرجلُ بذلك، وأبَى إلا الرجوعَ بنصفِه عليها، فلتَتفضَّلِ المرأةُ المُطلَّقةُ عليه برَدِّ جميعِه عليه إن كانت قد قَبَضتْه منه، وإن لم تكنْ قَبَضتْه فتَعْفو عن جميعِه. فإن هما لم يَفْعلا ذلك وشَحَّا وترَكا ما ندَبهما اللهُ إليه - مِن أَخْذِ أحدِهما (١) على صاحبِه