للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾.

أما قولُه: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾. فإنه يَعْني: إنا نعظِّمُك بالحمدِ لك والشكرِ، كما قال الله تعالى ذكرُه: [﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾] (١) [النصر: ٣]. وكما قال: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [الشورى: ٥]. وكلُّ ذكرٍ للهِ عندَ العربِ فتَسْبيحٌ وصلاةٌ، يقولُ الرجلُ منهم: قضَيْتُ سُبْحَتِي (٢) مِن الذكرِ والصلاةِ. وقد قيل: إن التسبيحَ صلاة الملائكةِ.

حدَّثنا ابن حُمَيْدٍ، قال: حدَّثنا يعقوبُ القُمِّيُّ، عن جعفرِ بنِ أبي المُغيرةِ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، قال: كان النبيُّ يُصَلِّي، فمرَّ رجلٌ مِن المسلمين على رجلٍ مِن المنافِقين، فقال له: النبيُّ يُصَلِّي وأنت جالسٌ! فقال له: امْضِ إلى عملِك إن كان لك عملٌ. فقال: ما أَظنُّ إلا سيَمُرُّ عليك مَن يُنْكِرُ عليك. فمرَّ عليه عمرُ بنُ الخطابِ، فقال له: يا فلانُ، النبيُّ يُصَلِّي وأنت جالسٌ! فقال له مثلَها، فقال: هذا مِن عمَلي. فوثَب عليه، فضرَبه حتى انْبَهَر (٣)، ثم دخَل المسجدَ، فصلَّى مع النبيِّ ، فلما انْفَتل النبيُّ قام إليه عمرُ، فقال: يا نبيَّ اللهِ، مرَرْتُ آنفًا على فلانٍ وأنت تُصَلِّي، فقلت له: النبيُّ يُصَلِّي وأنت جالسٌ! فقال: مُرَّ (٤) إلى عملِك إن كان لك عملٌ. فقال النبيُّ : "فَهَلَّا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ".

فقام عمرُ مُسْرِعًا، فقال: "يا عمرُ، ارجِعْ، فإن غضبَك عِزٌّ، ورضاك حُكمٌ، إن للهِ


(١) في ر: "نسبح بحمدك".
(٢) السبحة: الدعاء، وصلاة التطوع، والنافلة. التاج (س ب ح).
(٣) في ص، ت ١، ت ٢: "ابتهر"، وفي م: "انتهى". والبُهرُ: انقطاع النفس من الإعياء، وقد انبهر وابتهر: أي تتابع نَفَسه. التاج (ب هـ ر).
(٤) في م: "سر".