حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾: كنا نُحَدَّثُ أنها مكة.
حدَّثنا ابن عبدِ الأعلى، قال: ثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾. قال: بلغنا أنها مكةُ (١).
وهذا القولُ الذي قاله قتادةُ أشبه بما دلَّ عليه ظاهرُ التنزيلِ، وذلك أن اللَّهَ أَخْبَر هؤلاء الذين بايعوا رسولَ اللهِ ما تحتَ الشجرةِ أنه مُحيطٌ بقريةٍ لم يَقْدِروا عليها، ومعقولٌ أنه لا يقالُ لقومٍ: لم يَقْدِروا على هذه المدينةِ. إلا أن يكونوا قد رامُوها فتعَذَّرَت عليهم، فأمَّا وهم لم يَرُوموها فتَتَعذَّرَ عليهم، فلا يقالُ: إنهم لم يَقْدِروا عليها.
فإذ كان ذلك كذلك، وكان معلومًا أن رسولَ اللهِ ﷺ لم يَقْصِد قبلَ نزولِ هذه الآيةِ عليه خيبرَ لحربٍ، ولا وجَّه إليها لقتالِ أهلِها جيشًا ولا سريةً، عُلِم أن المعنيَّ بقوله: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾، غيرُها، وأنها هي التي قد عالَجها ورامَها فتعَذَّرَت، فكانت مكةُ وأهلُها كذلك، وأخْبَر اللهُ تعالى ذكرُه نبيَّه ﷺ والمؤمنين أنه قد أحاط بها وبأهلها، وأنه فاتِحُها عليهم، وكان اللهُ على كلِّ ما يشاءُ من الأشياءِ ذا قُدْرةٍ، لا يَتَعَذَّرُ عليه شيءٌ شَاءَه.