للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾. يعني به: مُغَطٍّ على ذنوبِ مَنْ آمَن به واتَّبَع رسولَه، بعفوِه عن عقوبِته إياهم عليها، ﴿حَلِيمٌ﴾. يعنى أنه ذو أَناةٍ، لا يَعْجَلُ على مَن عصاه وخالَف أمرَه بالنِّقْمةِ.

ثم اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في أعيانِ القومِ الذين عُنُوا بهذه الآيةِ؛ فقال بعضُهم: عُنِى بها كلُّ مَن ولَّى الدُّبُرَ عن المشركين بأُحُدٍ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو هشامٍ الرفاعيُّ، قال: ثنا أبو بكر بنُ عياشٍ، قال: ثنا عاصمُ بنُ كُلَيْبٍ، عن أبيه، قال: خطَب عمرُ يومَ الجمعةِ، فقرَأ "آل عمرانَ"، وكان يُعْجِبُه إذا خطَب أن يَقْرَأَها، فلما انْتَهى إلى قولِه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِمٌ﴾. قال: لما كان يومُ أحدٍ هَزْمناهم، ففرَرْتُ حتى صَعِدْتُ الجبلَ، فلقد رأيْتُنى أَنْزُو كأننى أرْوَى (١)، والناسُ يقولون: قُتِل محمدٌ. فقلتُ: لا أَجِدُ أحدًا يقولُ: قُتِل محمدٌ. إلا قتَلْتَه، حتى اجْتَمَعْنا على الجبلِ، فنزلَت: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ الآية كلّها (٢).

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ الآية: وذلك يومَ أُحدٍ، ناسٌ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ توَلَّوا عن القتالِ، وعن نبيِّ اللهِ يومَئذٍ، وكان ذلك مِن أمرِ الشيطانِ وتخويفِه، فأَنْزَل اللهُ جلَّ ثناؤُه ما تَسْمَعون، أنه قد تَجاوَز لهم عن ذلك، وعفا عنهم (٣).


(١) الأروى: أنثى الوعل. اللسان (ر و ى).
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٨٨ إلى المصنف.
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٨٩ إلى المصنف.