هاتين الآيتين بقوله: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ﴾. ثم ختَم ذلك بقوله: ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ﴾. أخْبَر أن جميعَ ذلك وصيةٌ منه به عبادَه. فنصبُ قوله: ﴿وَصِيَّةً﴾ على المصدر من قولِه: ﴿يُوصِيكُمُ﴾. أولى من نصبه على التفسيرِ مِن قولِه: ﴿فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾؛ لما ذكرنا.
ويعنى بقوله تعالى ذكرُه: ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ﴾: عهدًا مِن اللهِ إليكم فيما يجبُ لكم من ميراث مَن مات منكم، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾. يقولُ: والله ذو علمٍ بمصالح خلقِه ومضارِّهم، ومَن يَسْتَحِقُّ أن يُعْطَى مِن أقرباء مَن مات منكم وأنسبائِه مِن ميراثِه، ومَن يُحْرَمُ ذلك منهم، ومبلغ ما يَسْتَحِقُّ به كلُّ مَن استحقَّ منهم قَسْمًا، وغيرِ ذلك مِن أمورِ عبادِه ومصالِحهم. ﴿حَلِيمٌ﴾. يقولُ: ذو حِلمٍ عن (١) خلقِه، وذو أناةٍ في تركه معاجلتَهم بالعقوبةِ، على ظلمِ بعضِهم بعضًا، في إعطائِهم الميراث لأهل الجلد والقوة من ولد الميتِ، وأهلِ الغَنَاءِ والبأسِ منهم، دونَ أهل الضعفِ والعجزِ مِن صِغار ولده وإناثهم.