للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصحةِ قولُ مَن قال: هما الركعتانِ بعدَ المغربِ؛ لإجماعِ الحجةِ من أهلِ التأويلِ على ذلك، ولولا ما ذكَرتُ من إجماعِها عليه، لرأَيتُ أن القولَ في ذلك ما قاله ابنُ زيدٍ؛ لأن اللَّهَ جلَّ ثناؤُه لم يَخْصُصْ بذلك صلاةً دونَ صلاةٍ، بل عمَّ أدبارَ الصلواتِ كلِّها، فقال: ﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾. ولم تَقُمْ (١) بأنه معنِيٌّ به دُبُرُ صلاةٍ دونَ صلاةٍ - حجةٌ يَجِبُ التسليمُ لها من خبرٍ ولا عقلٍ.

واختلَفت القرَأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾. فقرَأته عامةُ قرَأةِ الحجازِ والكوفةِ، سوى عاصمٍ والكسائيِّ: (وإدْبارَ السُّجُودِ) بكسر الألفِ، على أنه مصدرٌ من أدبَر يُدْبِرُ إدبارًا. وقرَأه عاصمٌ والكسائيُّ وأبو عمرٍو (وأدْبارَ) بفتحِ الألفِ، بمعنى (٢) جمعِ دُبُرٍ وأدبارٍ (٣).

والصوابُ عندى الفتحُ، على جمعِ دُبُرٍ (٤).

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢)﴾.

قال أبو جعفر : يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : واسْتَمِع يا محمدُ صيحةَ يومِ القيامةِ، يومَ ينادِي بها مُناديها (٥) من موضعٍ قريبٍ.

وذُكِر أنه يُنادِي بها من صخرةِ بيتِ المقدسِ.


(١) في الأصل: "يعم".
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "على مذهب".
(٣) قرأ المدنيان وابن كثير وحمزة وخلف بكسر الهمزة، والباقون بفتحها. النشر ٢/ ٢٨١.
(٤) القراءتان كلتاهما صواب، قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرأة. وينظر النشر ٢/ ٢٨١.
(٥) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "منادينا".