للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: المؤلَّفةُ قلوبُهم في كلِّ زمانٍ، وحَقُّهم في الصدقاتِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ، قال: في الناس اليوم المؤلَّفةُ قلوبُهم.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن إسرائيلَ، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ مثلَه (١).

قال أبو جعفرٍ: والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى، أن اللَّهَ جَعَل الصدقةَ في مَعْنَيَيْن؛ أحدُهما: سَدُّ خَلَّةِ المسلمين، والآخرُ: معونةُ الإسلامِ وتقويتُه. فما كان في معونةِ الإسلامِ وتقويةِ أسبابهِ، فإنه يُعْطاه الغَنيُّ والفقيرُ؛ لأنه لا يُعْطاه مَن يُعْطاه بالحاجةِ منه إليه، وإنما يُعْطاه معونةً للدين. وذلك كما يُعْطَى الذي يُعْطاه بالجهادِ في سبيلِ اللهِ، فإنه يُعْطَى ذلك غَنِيًّا كان أو فقيرًا؛ للغَزْوِ، لا لسَدِّ خَلَّتِه، وكذلك المؤلفةُ قلوبُهم، يُعْطَوْن ذلك وإن كانوا أغنياءَ؛ اسْتِصْلاحًا بإعطائِهموه أمرَ الإسلامِ، وطلبَ تقويتِه وتأييدِه، وقد أعطَى النبيُّ من أعْطَى مِن المؤلَّفةُ قلوبُهم، بعدَ أن فَتَح اللهُ عليه الفتوحَ، وفَشَا الإسلامُ وعَزَّ أهلُه. فلا حُجَّةَ لمُحْتجٍّ بأن يقولُ: لا يُتَأَلَّفُ اليومَ على الإسلامِ أحدٌ؛ لامتناعِ أهلِه بكثرةِ العددِ ممن أرادَهم. وقد أعطَى النبيُّ مَن أعطَى منهم في الحالِ التي وَصَفتُ.

وأما قولُه: ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ فإن أهلُ التأويلِ اختَلَفوا في معناه؛ فقال بعضُهم وهم الجمهورُ الأعظمُ: هم المُكاتبون، يُعْطَوْن منها في فكِّ رِقابِهم.


(١) أخرجه ابن أبي شيبة ٣/ ٢٢٣، وابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٨٢٣ من طريق وكيع به.