للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآخرة، ولا نَصيبَ لهم مِن نعيمِ الجنةِ، وما أَعَدَّ اللَّهُ لأهلِها فيها دونَ غيرِها.

وقد بَيَّنَّا اختلافَ أهلِ التأويلِ فيما مضَى في معنى "الخَلاقِ"، ودلَّلْنا على أوْلَى أقوالِهم في ذلك بالصوابِ بما فيه الكفايةُ (١).

وأما قولُه: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾. فإنه يعنى: ولا يُكَلِّمُهم الله بما يَسُرُّهم، ﴿وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ﴾ يقولُ: ولا يَعْطِفُ عليهم بخيرٍ؛ مَقْتًا مِن اللهِ لهم (٢). كقولِ القائلِ لآخرَ: انْظُرْ إليَّ نظَرَ اللهُ إليك. بمعنى: تعَطَّفْ عليَّ تعطَّف اللهُ عليك بخيرٍ ورحمةٍ. وكما يقالُ للرجلِ: لا سمِعَ اللهُ لك دعاءَك. يُرادُ: لا اسْتَجاب اللهُ لك. واللهُ لا يَخْفَى عليه خافيةٌ، وكما قال الشاعرُ (٣):

دعَوْتُ اللَّهَ حتى خِفْتُ أَلَّا … يكونَ اللهُ يَسْمَعُ ما أَقولُ

وقولُه: ﴿وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾. يعنى: ولا يُطَهِّرُهم مِن دَنَسِ ذنوبِهم وكفرِهم، ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. يعني: ولهم عذابٌ مُوجِعٌ.

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في السببِ الذي من أجلِه أُنْزِلَت هذه الآيةُ، ومَن عُنِى بها؟ فقال بعضُهم: نزَلَت في أخبارٍ من أحْبارِ اليهودِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قال: نزَلَت هذه الآيةُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ في أبى رافعٍ، وكِنانةَ بن أبى الحُقَيْقِ، وكعبِ بن الأَشْرفِ، وحُيَيِّ


(١) ينظر ما تقدم في ٢/ ٣٦٥ - ٣٦٧.
(٢) أي لا ينظر إليهم نظر رحمة. فالنظر هنا على حقيقته، صفة لله جل وعز كما يليق به سبحانه.
(٣) هو شمير - ويقال: سمير - بن الحارث الضبي، والبيت في النوادر ص ١٢٤، والأضداد ص ١٣٧.