للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿حَنِيفًا﴾. قال: مُخْلِصًا لا أُشْرِكُه كما تُشْرِكون.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ (١) وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: وجادَل إبراهيمُ قومَه في توحيدِ اللهِ وبراءتِه مِن الأصنامِ، وكان جدالُهم إياه قولَهم: إن آلهَتَهم التي يَعْبُدُونها خيرٌ مِن إلهِه. قال إبراهيمُ: ﴿أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ﴾. يقولُ: أَتُجادِلُونني في توحيديَ اللهَ، وإخلاصي العملَ له دونَ ما سواه مِن آلهةٍ؟ ﴿وَقَدْ هَدَانِ﴾. يقولُ: وقد وفَّقَني ربي لمعرفةِ وَحْدانيتِه، وبصَّرَني طريقَ الحقِّ، حتى أَيْقَنْتُ (٢) ألا شيءَ يَسْتَحِقُّ أن يُعْبَدَ سواه، ﴿وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ﴾. يقولُ: ولا أَرْهَبُ مِن آلهتِكم التي تَدْعونها مِن دونِه شيئًا يَنالُني به (٣) في نفسي مِن سوءٍ ومكروهٍ. وذلك أنهم قالوا له: إنا نَخَافُ أَن تَمَسَّك آلهتُنا بسوءٍ، مِن بَرَصٍ أو خَبْلٍ (٤)؛ لذكرِك إياها بسوءٍ. فقال لهم إبراهيمُ: لا أَخافُ ما تُشْرِكون باللهِ من هذه الآلهةِ أن تَنالَني بضُرٍّ ولا مكروهٍ؛ لأنها لا تَنْفَعُ ولا تَضُرُّ، ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا﴾. يقولُ: ولكنَّ خوفي مِن الله الذي خلَقَني، وخلَق السماواتِ والأرضَ، فإنه إن شاء أن يَنالنَي في نفسي أو مالي بما شاء؛ مِن فَناءٍ أو بقاءٍ، أو زيادةٍ أو نُقْصانٍ، أو غيرِ ذلك، نالَني به؛ لأنه القادرُ على ذلك.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك كان ابنُ جُرَيْجٍ يقولُ.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "هداني". وبإثبات الياء وصلا قرأ أبو عمرو. واختلف عن نافع في إثباتها وحذفها في الوصل، وحذفها باقي السبعة وصلا ووقفا. السبعة لابن مجاهد ص ٢٧٥.
(٢) في النسخ: "ألفت". والمثبت من تحقيق الشيخ شاكر، ويصح أيضا أن تكون: ألفَيتُ.
(٣) سقط من: م.
(٤) الخبل: فساد الأعضاء حتى لا يدري كيف يمشي، وهو أيضا الجنون أو شبهه. تهذيب اللغة ٧/ ٤٢٤.