للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على ما ابتُدِئ به في أوّلِ الآيةِ. ولو قيل: فجاءهم بأسُنا بياتًا. لكان صحيحًا فصيحًا، ردًّا للكلامِ إلى معناه، إذ كان البأسُ إنما قُصِد به سكانُ القريةِ دونَ بُنيانها، وإن كان قد نالَ بُنْيانَها ومساكنَها مِن البأسِ بالخرابِ نحوٌ مِن الذي نالَ سكانَها، وقد رُجع في قولِه: ﴿أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾. إلى خصوصِ الخبرِ عن سكانِها دونَ مساكنِها؛ لما وصفنا مِن أن المقصودَ بالبأسِ كان السكانُ، وإن كان في هلاكِهم هلاكُ مساكنِهم وخرابُها. ولو قيل: أو هي قائلةٌ. كان صحيحًا، إذ كان السامعون قد فهِموا المرادَ مِن الكلامِ.

فإن قال قائلٌ: أوَ ليس قولُه: ﴿أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾. خبرًا عن الوقتِ الذي أتاهم فيه بأسُ اللهِ مِن النهارِ؟

قيل: بلى.

فإن قال: أوَ ليس المواقيتُ في مثلِ هذا تكونُ في كلامِ العربِ بالواوِ (١) الدالّ على الوقتِ؟

قيل: إن ذلك وإن كان كذلك، فإنهم قد يَحْذِفون مِن مثلِ هذا الموضعِ، اسْتثْقالًا للجمعِ بينَ حَرْفى عطفٍ، إذ كان "أو" عندَهم مِن حروفِ العطفِ، وكذلك "الواوُ"، فيقولون: لقيتَنى مُمْلِقًا أو أنا مسافرٌ. بمعنى: أو وأنا مسافرٌ. فيَحْذِفون الواوَ وهم مُريدوها في الكلامِ؛ لما وصفتُ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٥)

يقولُ تعالى ذكرُه: فلم يكنْ دَعْوى أهلِ القريةِ التي أهْلكناها، إذ جاءهم بأسُنا


(١) بعده في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "و".