للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسطوتُنا بيانًا أو هم (١) قائلون - إلا اعترافَهم على أنفسِهم بأنهم كانوا إلى أنفسِهم مُسِيئِين، وبربِّهم آثمِين، ولأمرِه ونَهْيِه مخالِفين.

وعنى بقولِه جلّ ثناؤه: ﴿دَعْوَاهُمْ﴾. في هذا الموضعِ دعاءَهم.

وللدعَوى في كلامِ العربِ وجهان؛ أحدُهما الدعاءُ، والآخرُ الادِّعاءُ للحقِّ. ومن الدَّعْوى التي معناها الدعاءُ، قولُ اللهِ ﵎: ﴿فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ﴾ [الأنبياء: ١٥]. ومنه قولُ الشاعر (٢):

وإنْ مَذِلَتْ (٣) رِجْلَى دَعَوْتُكِ أَشْتَفِى … بدَعْواكِ مِن مَذْلٍ بها فَيَهُونُ

وقد بَيَّنا فيما مَضَى قبلُ أن البأسَ والبأساءَ، الشدةُ، بشواهِد ذلك الدالِة على صحتِه، بما أغنَى عن إعادته في هذا الموضع (٤).

وفى هذه الآيةِ الدلالةُ الواضحةُ على صحةِ ما جاءت به الروايةُ عن رسولِ اللهِ ﷺ من قولِه: "ما هَلَكَ قومٌ حتى يُعْذِروا (٥) مِن أنفسِهم".

وقد تأوَّل ذلك كذلك بعضُهم.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن أبي سنانٍ، عن عبدِ الملكِ بن ميسرةَ الزرَّادِ، قال: قال عبدُ اللهِ بنُ مسعودِ: قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: "ما هَلَكَ قوم حتى


(١) في ص: "وهم".
(٢) هو كثير عزة، والبيت في ديوانه ص ١٧٦ من الزيادات على القصيدة.
وروايته:
إذا خدرت رجلى ذكرتك أشتفي … بذكرك من مذل بها فيهون
(٣) مذلت: خَدِرت. اللسان (م ذ ل).
(٤) تقدم في ٣/ ٨٥ وما بعدها.
(٥) يقال: أعذر فلان من نفسه. إذا أمكن منها، يعنى أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم، فيستوجبون العقوبة، ويكون لمن يعذبهم عذر، كأنهم قاموا بعذره في ذلك. النهاية ٣/ ١٩٧.