للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَبْيَضَّ وجوهُهم، ووعَدهم مع الحُسنى الزيادة عليها، ومِن الزيادةِ على إدخالِهم الجنةَ، أن يُكْرِمَهم بالنظرِ إليه، وأن يُعْطِيَهم غُرَفًا مِن لآلئ، وأن يزيدَهم غفرانًا ورضوانًا، كلُّ ذلك من زياداتِ عطاءِ اللَّهِ إياهم على الحُسْنى التي جعَلها اللهُ لأهلِ جناته، وعَمَّ ربنا، جلّ ثناؤُه، بقوله: ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ الزيادات على الحُسنى، فلم يُخصص منها شيئًا دونَ شيءٍ، وغيرُ مستنكر من فضل الله أن يجمع ذلك لهم، بل ذلك كلُّه مجموعٌ لهم إن شاء اللهُ. فأَوْلى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ، أن يُعمَّ كما عَمَّه عزَّ ذكرُه.

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٦)﴾.

يعنى جلّ ثناؤُه بقولِه: ﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ﴾. لا يَغْشَى وجوههم كآبةٌ ولا كسوفٌ حتى تصيرَ من الحزنِ كأَنما عَلاهَا فَتَرٌ. والقَتَرُ: الغبار، وهو جمع قَتَرَةٍ، ومنه قول الشاعرِ (١):

مُتَوَّجٌ (٢) برِداءِ المُلْكِ يَتْبَعُه … مَوْجٌ تَرَى فوقه الراياتِ والقَتَرَا

يعنى بالقتَرِ: الغبار.

﴿وَلَا ذِلَّةٌ﴾، ولا هوانٌ ﴿أَوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾. يقولُ: هؤلاء الذين وَصَفْتُ صفتهم، هم أهلُ الجنةِ وسكانُها، ومَن [هو فيها] (٣). ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. يقولُ: هم فيها ماكِثون أبدًا، لا تَبِيدُ فيخافوا زوال نعيمِهم، ولا هم بمُخْرَجِين فتَتَنَغَّصَ عليهم لذَّتهم.


(١) هو الفرزدق، والبيت في ديوانه ص ٢٩٠.
(٢) في الديوان: "معتصب".
(٣) سقط من: م.