للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: ٣٤ - ٣٧].

وإنما قلنا: ذلك أولى التأويلات بالصوابِ؛ لأن ذلك أشبهُها بما دلَّ عليه ظاهرُ التنزيلِ، وذلك أن قولَه: ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾. تلا قولَه: ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾. فلأن تكونَ الهاءُ والميمُ مِن ذكرِهم أشبهُ منها بأن تكونَ من ذكرِ غيرِهم.

واختَلَفت القرأةُ فى قراءةِ قولِه: ﴿وَلَا يَسْأَلُ﴾. فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الأمصارِ سوى أبي جعفرٍ القارئِ وشَيبةَ بفتحِ الياءِ، وقرَأه أبو جعفرٍ وشيبةُ: (ولا يُسْأَلُ). بضمِّ الياءِ (١)، يعني: لا يُقالُ لحميمٍ: أين حميمُك؟ ولا يُطْلَبُ بعضُهم مِن بعضٍ.

والصوابُ من القراءةِ عندَنا فتحُ الياءِ، بمعنى: لا يَسْأَلُ الناسُ بعضُهم بعضًا عن شأنِه؛ لصحةِ معنى ذلك، ولإجماعِ الحُجَّةِ من القرأةِ عليه (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: يَوَدُّ الكافرُ يومَئِذٍ ويَتَمَنَّى أنه يَفْتَدِى مِن عذابِ اللهِ إياه ذلك اليومَ ببَنِيه، وصاحبتِه، وهي زوجتُه، وأخيه، وفَصيلتِه، وهم عَشيرتُه.

﴿الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾، يعني: التي تَضُمُّه إلى رحلِه، وتَنْزِلُ فيه امرأتُه، لقرابةِ ما بينَها وبينَه، وبمَن في الأرضِ جميعًا من الخلقِ، ثم يُنْجِيه ذلك من عذابِ اللهِ إياه ذلك اليومَ. بدَأ جلَّ ثناؤُه بذكرِ البنينَ، ثم الصاحبةِ، ثم الأخِ، إعلامًا منه عبادَه أن الكافرَ من عظيمِ ما يَنْزِلُ به يومَئذٍ مِن البلاءِ يَفْتَدِى نفسَه، لو وجَد إلى ذلك سبيلًا، بأحبِّ الناسِ إليه


(١) واختلف عن البزى، فعنه بضم الياء مثلهما، وعنه بالفتح كالباقين. النشر ٢/ ٢٩٢.
(٢) القراءة بضم الياء متواترة، قال أبو حيان: أي: لا يُسأل إحضاره، كل من المؤمن والكافر له سيما يعرف بها. وقال البنا الدمياطى فى الإتحاف ص ٢٦١: بضم الياء مبنيا للمفعول، ونائبه "حميم"، و "حميما" نصب بنزع الخافض "عن".