للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه ظاهرُ التنزيلِ؛ وذلك أن اللهَ تعالى ذكرُه: قد أَتْبَعَ ذلك بقولِه: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ﴾ الآية والتى بعدَها، فبيَّن بذلك أن قولَه: ﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا﴾. إعلامٌ مِن اللهِ عبادَه أن ما كان المشركون يُحرِّمونه من البَحَائِرِ والسَّوَائِبِ والوَصائِلِ وغيرِ ذلك -مما قد بيَّنا قبلُ فيما مضَى- لا معنى له؛ إذ كان ذلك مِن خُطُواتِ الشيطانِ، فإن كلَّ ذلك حلالٌ، لم يُحَرِّم اللهُ منه شيئًا (١).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه مكذِّبًا المشركين الذين كانوا يُحَرِّمون [ما ذَكَرْنا] (٢) مِن البَحَائِرِ وغيرِ ذلك: ما حرَّم اللهُ عليكم، أيها الناسُ، إلا الميتةَ والدمَ ولحمَ الخنزيرِ. وما ذُبِح للأَنْصابِ فسُمِّيَ عليه غيرُ اللهِ؛ لأن ذلك مِن ذبائحِ مَن لا يَحِلُّ أَكْلُ ذبيحتِه، فمن اضْطُرَّ إلى ذلك أو إلى شيءٍ منه، لمجاعةٍ حلَّت، فأكَله ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. يقولُ: ذو سَتْرٍ عليه أن يُؤاخِذَه بأكْلِه ذلك في حالِ الضرورةِ، رحيمٌ به أن يُعاقبَه عليه.

وقد بيَّنَّا اختلافَ المُخْتَلِفِين في قولِه: ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾. والصوابَ عندَنا مِن القولِ فى ذلك، بشواهدِه فيما مضَى، بما أغنَى عن إعادتِه (٣).

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ


(١) تقدم في ٩/ ٣١ - ٣٩.
(٢) سقط من: ت ١، ت ٢، ف.
(٣) تقدم فى ٣/ ٥٨ - ٦٣.