للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يوجِّهِ (١) الظنَّ في هذا الموضعِ منهم أحدٌ إلى معنى العلمِ واليقينِ، مع أن الظنَّ إنما استعمَله العربُ في موضعِ العلمِ، فيما كان من علمٍ أُدرِك من جهةِ الخبرِ، أو من غيرِ وجهِ المشاهدةِ والمعاينةِ؛ فأما ما كان من علمٍ أُدْرِك من وجهِ المشاهدةِ والمعاينة، فإنها لا تستعملُ فيه الظنَّ، لا تَكَادُ تَقولُ: أَظُنُّني حَيًّا، وأَظُنُّني إنسانًا، بمعنى: أعلَمُنى إنسانًا، وأعْلَمُنى حيًّا. والرسلُ الذين كذَّبتْهم أممُهم، لا شك أنها كانت لأممِها شاهدةٌ، ولتكذيبِها إياها منها سامعةٌ، فيقال فيها: ظنَّت بأممِها أنها كذَّبتها.

ورُوِى عن مجاهدٍ في ذلك قولٌ هو خلافُ جميعِ ما ذكَرنا من أقوالِ الماضين الذين سمَّينا أسماءَهم وذكَرنا أقوالَهم، وتأويلٌ خلافُ تأويلِهم، وقراءةٌ غيرُ قراءةِ جميعِهم؛ وهو أنه، فيما ذُكِر عنه، كان يَقْرَأُ: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كَذَّبُوا) بفتح الكاف والذّال وتخفيف الذّال.

ذكرُ الروايةِ عنه بذلك

حدَّثنى أحمدُ بنُ يوسفَ، قال: ثنا أبو عُبيدٍ، قال: ثنا حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، عن مجاهدٍ أنه قرَأها: (كَذَبُوا) بفتحِ الكافِ، بالتخفيفِ (٢).

وكان يتأوَّلُه كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: استيأَس الرسلُ أن يعذَّبَ قومُهم، وظنَّ قومُهم أن الرسلَ قد كَذَبَوا - ﴿جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾. قال: جاء الرسلَ نصرُنا. قال مجاهدٌ: قال في


(١) في ص، ت ٢، ف: "يوجد"، وفي ت ١: "يوحد".
(٢) ذكره البغوي في تفسيره ٤/ ٢٨٦، والثعالبي في تفسيره، ٢/ ٣٥٤ وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٤١ إلى المصنف، وهذه القراءة شاذة لم يقرأ بها أحد من العشرة.