وهذا القولُ قريبُ المعنى من القولُ الذي قلنا؛ لأن معناه: اتَّقوا عقوبةَ ما بينَ أيديكم مِن ذنوبِكم، وما خلفَكم مما تَعْمَلون من الذنوبِ ولم تَعْمَلوه بعد، فذلك بعدَ تخويفٍ لهم العقابَ على كفرِهم.
وقولُه: ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾. يَقولُ تعالى ذكرُه: وما تَجِيءُ هؤلاء المشركين من قريشٍ آيةٌ. يعنى حجةٌ مِن حُجَجِ اللهِ، وعلامةً مِن علاماتِه على حقيقةِ توحيدِه، وتَصْديقِ رسولِه، ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾: لا يتفكَّرون فيها، ولا يَتَدَبَّرونها، فيَعْمَلوا (١) بها، ما احتجَّ اللهُ عليهم بها.
فإن قال قائلٌ: وأين جوابُ قولِه: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ﴾؟ قيل: جوابُه وجوابُ قولِه: ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ قولُه: ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾؛ لأن الإعراضَ منهم كان عن كلِّ آيةٍ للهِ، فاكْتُفِى بالجوابِ عن قولِه: ﴿اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ﴾، وعن قولِه: ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ﴾. بالخبرِ عن إعراضِهم عنها لذلك؛ لأن معنى الكلام: وإذا قيل لهم: اتَّقوا ما بينَ أيديكم وما خلفَكم أعرَضوا، وإذا أتَتْهم آيةٌ أعرَضوا.
قال أبو جعفرٍ ﵀: يقولُ تعالى ذكرُه: وإذا قيل لهؤلاء المشركين باللهِ: أنفِقوا من رزقِ اللهِ الذي رزَقكم، فأدُّوا منه ما فَرض اللهُ عليكم فيه لأهلِ حاجتِكم