للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه مُنَبِّهًا عبادَه على موضع الدَّلالة على ربوبيتِه، وأنه خالقُ كلِّ ما دونَه: إن فى اعْتِقابِ الليل (١) النهارَ، واعْتِقابِ النهار الليل؛ إذا ذَهَب هذا (٢) جاء هذا، وإذا جاء هذا (٢) ذهَب هذا، وفيما خلق الله في السماواتِ مِن الشمسِ والقمرِ والنجومِ، وفى الأرضِ مِن عجائبِ الخلقِ الدَّالَّة على أن لها صانعًا ليس كمثلِه شيءٌ - ﴿لَآيَاتٍ﴾. يقولُ: لأدِلَّةٌ وحُجَجًا وأعلامًا واضحةً ﴿لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾ الله، فيَخافون وعيدَه، ويَخْشَوْن عقابَه، على إخلاص العبادة لربِّهم.

فإن قال قائلٌ: أوَ لا دَلالةَ فيما خلَق الله فى السماواتِ والأرض على صانعِه. إلا لَمَن اتَّقَى الله؟

قيل: في ذلك الدَّلالةُ الواضحةُ على صانعِه لكلِّ مَن صَحَّتْ فِطرتُه، وبَرِئَ من العاهات قلبُه (٣). ولم يَقْصِدْ بذلك الخبرَ عن أن فيه الدَّلالة لمَن كان قد أَشْعَر نفسَه تَقْوى الله، وإنما معناه: إن في ذلك لآياتٍ لمَن اتَّقَى عقابَ اللهِ، فلم يَحْمِلُه هَواه على خلافِ ما وَضَح له من الحقِّ؛ لأن ذلك يدلُّ كلَّ ذى فِطْرةٍ صحيحةٍ على أن له مُدبِّرًا يَسْتحِقُّ عليه الإذعانَ له بالعُبُودَةِ (٤)، دونَ ما سِوَاه من الآلهةِ والأنْدادِ.

القولُ في تأويل قولِه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (٧) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨)﴾.


(١) بعده في م، ف: "و".
(٢) بعده في ص، ت ٢، س، ف: "و". وينظر ما تقدم فى ٣/ ١٠.
(٣) في الأصل: "عقله".
(٤) في ت ١، س: "بالعبودية". وهما بمعنى.