للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك: (خالقُ) تدلُّ على أن معنى ذلك المُضِيُّ، فبأيَّتِهما قَرأ القارئُ فمصيبٌ.

وقولُه: ﴿خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾. يعني: مِن نُطْفَةٍ، ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ﴾ كالحَيَّاتِ وما أشْبَهَها. وقيل: إنما قيل: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ﴾. والمَشْيُ لا يكونُ على البطنِ؛ لأن المَشْىَ إنما يكونُ لِمَا له قَوَائمُ، على التشبيهِ، وأنه لَمَّا خالَط ما له قوائمُ ما لا قوائمَ له، جاز، كما قال: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ﴾. كالطيرِ، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾. كالبهائمِ.

فإن قال قائلٌ: فكيفَ قيل: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي﴾ و"مَن" للناسِ، وكلُّ هذه الأجناسِ أو أكثرُها لغيرِهم؟

قيل: لأنه تَفْرِيقُ ما هو داخلٌ في قولِه: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ﴾. وكان داخِلًا في ذلك الناسُ وغيرُهم، ثم قال: ﴿فَمِنْهُمْ﴾؛ لاجْتماعِ الناسِ والبهائمِ وغيرِهم في ذلك واخْتلاطِهم، فكَنَى عن جميعِهم كِنايَتَه عن بني آدمَ، ثم فَسَّرهم بـ "مَن"، إذ كان قد كَنَى عنهم كنايةَ بني آدمَ خاصَّةً.

﴿يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾. يقولُ: يُحْدِثُ اللَّهُ ما يشاءُ مِن الخَلْقِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. يقولُ: إِن اللَّهَ على إحْداثِ ذلك وخَلْقِه، وخَلْقِ ما يشاءُ مِن الأشياءِ غيرَه، ذو قُدْرةٍ، لا يَتَعذَّرُ عليه شيءٌ أرادَه (١).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: لقد أنزَلْنا أَيُّها الناسُ علاماتٍ واضحاتٍ، دالَّاتٍ على طريقِ الحقِّ وسبيلِ الرشادِ، ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. يقولُ:


(١) في م: "أراد".