للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَهِل عظيم عقاب الله عليه أهله، في عاجل الدنيا وآجل الآخرة، فقيل لمن أتاه وهو به عالمٌ: أتاه بجهالة. بمعنى أنه فعَل فِعلَ الجُهَّالِ به، لا أنه كان به جاهِلًا.

وقد زَعَم بعضُ أهل العربية (١) أن معناه أنهم جَهلوا كُنْهَ ما فيه من العقابِ، فلم يَعْلَموه كعلم العالم، وإن عَلِموه ذَنْبًا، فلذلك قيل: ﴿يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾.

ولو كان الأمرُ على ما قال صاحبُ هذا القولِ لوَجَب أَلَّا تكونَ توبةٌ لَمَنْ علِم كُنْه ما فيه، وذلك أنه جلَّ ثناؤه قال: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾. دون غيرهم، فالواجبُ على صاحب هذا القول ألا يكون للعالم الذي عَمِل سوءًا على علم منه بكُنه ما فيه، ثم تاب من قريب - توبةٌ، وذلك خلافُ الثابت عن رسول الله ، من أن كلَّ تائبٍ عسى الله أن يتوب عليه (٢)، وقوله: "بابُ التَّوبة مفتوحٌ ما لم تَطْلُع الشمسُ من مَغْربِها" (٣).

وخلافُ قولِ اللهِ ﷿: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠].

القول في تأويل قوله: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾.

اختلف أهل التأويل في معنى "القريب" في هذا الموضع؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: ثم يتوبون في صحتهم قبل مرضهم وقبل موتهم.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسباط، عن


(١) هو القراء كما في معاني القرآن ١/ ٢٥٩.
(٢) يشير إلى ما أخرجه أحمد ٢٨/ ١١٢ (١٦٩٠٧)، والنسائى (٣٩٥٥) والطبراني ١٩/ ٣٦٤، ٣٦٥ (٨٥٦ - ٨٥٨)، والحاكم ٤/ ٣٥١ من حديث معاوية، وما أخرجه أبو داود (٤٢٧٠)، وابن حبان (٥٩٨٠)، والحاكم ٤/ ٣٥١ من حديث أبي الدرداء.
(٣) أخرجه مسلم (٢٧٥٩) من حديث أبي موسى بلفظ آخر.