للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى﴾. وفى هذا الكلام متروكٌ، تُرك ذكره استغناء بدلالة ما ذُكر عليه عنه، وهو قوله: فأَتَياه فقالا له ما أمرهما به ربُّهما، وأبْلَغاه رسالته، فقال فرعون لهما: ﴿فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى﴾. فخاطَب موسى وحدَه بقوله: ﴿يَامُوسَى﴾. وقد وجَّه الكلام قبل ذلك إلى موسى وأخيه. وإنما فعل ذلك كذلك؛ لأن المجاوبة إنما تكونُ مِن الواحد - وإن كان الخطاب لجماعةٍ (١) - لا من الجميع، وذلك نظير قوله: ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: ٦١]. وكان الذي يَحْمِلُ الحوت واحدًا، وهو فتى موسى. يَدلُّ على ذلك قوله: ﴿فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣].

وقوله: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾. يقول تعالى ذكره: قال موسى له مجيبًا: ربُّنا الذي أعْطَى كلَّ شيءٍ خلقه. يعني: نظير خلقه في الصورة والهيئة؛ كالذكور من بنى آدمَ أعْطاهم نظير خلقهم مِن الإناث أزواجًا، وكالذكور من البهائم أعطاها نظير خلقها وفي صورتها وهيئتها من الإناث أزواجًا، فلم يُعْطِ الإنسانَ خلاف خلقه فيُزَوِّجَه بالإناث من البهائم، ولا البهائم بالإناث من الإنس، ثم هداهم للمأتَى الذي منه النسل والنَّماء كيف يَأْتيه، ولسائر منافعه من المطاعم والمشارب وغير ذلك.

وقد اخْتَلَف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم بنحو الذي قلنا فيه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني عليٌّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عباس قوله: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾. يقولُ: خلق لكلِّ شيءٍ زوجه (٢)، ثم


(١) في م: "بالجماعة".
(٢) في م، ت ١: "زوجة".