للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾. يقولُ: الحمدُ الكاملُ للهِ خالصًا، دون ما تَدْعُون أيها القومُ من دونِه من الأوثانِ، فإياه فاحْمَدُوا دونها.

وقولُه: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾. يقولُ: ما الأمرُ كما تفعلون، ولا القولُ كما تقولون، ما للأوثانِ عندهم من يد ولا معروفٍ فتُحمَدَ عليه، إنما الحمدُ للهِ، ولكنَّ أكثرَ هؤلاء الكفرة الذين يعبدونها، لا يعلَمون أن ذلك كذلك، فهم بجهلِهم بما يأتون ويَذَرون، يجعَلونها للهِ شركاءَ في العبادةِ والحمدِ.

وكان مجاهدٌ يقولُ: ضرب اللهُ هذا المثلَ، والمثلَ الآخرَ الذي (١) بعدَه لنفسِه وللآلهةِ التي تُعبدُ من دونِه (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦)﴾.

وهذا مثلٌ ضرَبه اللهُ تعالى ذكرُه لنفسِه وللآلهةِ التي تُعبدُ من دونِه، فقال تعالى ذكرُه: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾. يعنى بذلك الصنمَ، أنه لا يسمعُ شيئًا، ولا ينطق، لأنه إما خشبٌ منحوتٌ، وإما نُحاسٌ مصنوعٌ، لا يقدرُ على نفعٍ لمن خدَمه، ولا دفع ضُرٍّ عنه، ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ﴾. يقولُ: وهو عِيالٌ على ابن عمِّه وحُلفائِه وأهلِ ولايتِه، فكذلك الصنمُ كُلٌّ على من يعبدُه، يحتاجُ أن يحملَه، ويضعهَ، ويخدُمه، كالأبكمِ من الناسِ الذي لا يقدرُ على شيءٍ، فهو كُلٌّ على أوليائه من بنى أعمامِه


(١) سقط من: م.
(٢) سيأتي تخريجه في ص ٣١١.