للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُوقِفُهم بذلك جلَّ ذكرُه على موضعِ حُجَجِه عليهم، ويُذَكِّرُهم آلاءَه عندَ أوائلِهم، ويُحَذِّرُهم - [بتكذيبِهم] (١) نبيَّنا محمدًا - أن يَحِلَّ بهم ما حلَّ بفرعونَ وآلِهِ في تكذيبِهم موسى صلواتُ اللهِ عليه.

وقد زعَم بعضُ أهلِ العربيةِ أن معنى قولِه: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾. كمعنى قولِ القائلِ: ضُرِبْتَ وأهلُك يَنْظُرون، فما أتَوْك ولا أغاثوك (٢). يعنى: وهم قريبٌ بِمَرْأًى ومَسْمَعٍ. وكقولِ اللهِ ﷿: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان: ٤٥]. وليس هناك رؤيةٌ، إنما هو علمٌ.

والذى دعاه إلى هذا التأويلِ أنه وجَّه قولَه: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾. إلى غَرَقِ آلِ فرعونَ، فقال: قد كانوا في شُغُلٍ مِن أن يَنْظُروا مما اكْتَنَفَهم مِن البحرِ من أن يَرَوْا فرعونَ وغَرَقَه.

وليس الذى تأوَّله تأويلَ الكلامِ، إنما التأويلُ: وأنتم تنظرون إلى فَرْقِ اللهِ ﷿ البحرَ لكم -ممَّا قد وصَفتُ آنِفًا- والْتِطامِ أمْواجِ البحرِ بآلِ فرعونَ في الموضعِ الذى صيَّر لكم من البحرِ طريقًا يَبَسًا. وذلك لا شكَّ كان نظرَ عِيانٍ لا نظرَ علمٍ، على ما ظنَّه قائلُ هذا القولِ الذى حكَيْنا.

القولُ في تَأويلِ قولِه جلَّ وعزَّ: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا﴾.

اخْتَلَفَتِ القَرَأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأه بعضُهم: ﴿وَاعَدْنَا﴾ (٣). بمعْنى أن اللهَ تعالى واعَد موسى مُوافَاةَ (٤) الطُّورِ لمُناجاتِه، فكانت المُواعَدةُ مِن اللهِ لموسى، ومِن موسى لربِّه. وكان مِن حجتِهم على اختيارِهم قراءةَ: ﴿وَاعَدْنَا﴾ على: (وعَدْنا)


(١) في م، ت ١: "في تكذيبهم".
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "أعانوك".
(٣) وهى قراءة نافع وابن كثير وعاصم وابن عامر والكسائى وحمزة. السبعة لابن مجاهد ص ١٥٤.
(٤) في ر: "مراقاة"، وفى م: "ملاقاة".