للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويل قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾.

يعنى بذلك جل ثناؤُه: قولوا: ربَّنا ولا تَحْمِلْ علينا إصرًا. ويعنى بالإصْرِ العهدَ، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾ [آل عمران: ٨١]. وإنما عنَى بقولِه: ﴿وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾: ولا تَحْمِلْ علينا عهدًا نَعْجِزُ عن القيامِ به ولا نَسْتَطِيعُه. ﴿كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾. يعني: على اليهودِ والنصارى الذين كُلِّفوا أعمالًا، وأُخِذت عهودُهم ومَواثيقُهم على القيامِ بها، فلم يَقُوموا بها، فعُوجِلوا بالعقوبةِ، فعلَّم اللهُ عزَّ جلَّ أمةَ محمدٍ الرغبةَ إليه بمسألتِه ألا يَحْمِلَهم مِن عهودِه ومَواثيقِه على أعمالٍ - إن ضَيَّعوها أو أخْطَئوا فيها أو نَسُوها - مثلَ الذي حَمَل مَن قبلَهم، فيُحِلُّ بهم بخطئِهم فيه وتَضْييعِهم إياه مثلَ الذي أحَلَّ بمَن قبلَهم.

وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أَخْبَرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عن قَتادةَ في قولِه: ﴿وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾. قال: لا تَحْمِلْ علينا عهدًا وميثاقًا ﴿كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾. يقولُ: كما غُلِّظ على مَن قبلَنا (١).

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن موسى بن قيسٍ الحَضْرميِّ، عن مُجاهدٍ في قولِه: ﴿وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾. قال: عهدًا (٢).


(١) تفسير عبد الرزاق ١/ ١١٢.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣٧٧ إلى عبد بن حميد.