للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القرآنَ بجِدٍّ منه، فيَقْرَؤُه ثم يَنْساه بغيرِ تَشاغُلٍ منه بغيرِه عنه، ولكن لعجزِ بِنْيَتِه عن حفظِه، وقلَّةِ احتمالِ عقلِه ذكْرَ ما أَوْدَع قلبَه منه، وما أشْبَهَ ذلك من النسيانِ، فإن ذلك مما لا تجوزُ مسألةُ الربِّ مغفرتَه؛ لأنه لا ذنب للعبدِ فيه فيُغْفَرَ له باكتسابِه.

وكذلك للخطإِ وجهان؛ أحدُهما: مِن وجهِ ما نُهِى عنه العبدُ، فيَأْتِيه بقصدٍ منه وإرادةٍ، فذلك خطأٌ منه وهو به مأخوذٌ، يُقالُ منه: خَطِئ فلانٌ وأَخْطَأَ. فيما أَتَى مِن الفعلِ، وأثِم، إذا أتَى ما يأثمُ فيه وركِبه، ومنه قولُ الشاعرِ (١):

الناسُ يَلْحَوْن (٢) الأميرَ إذا هم … خطِئوا الصوابَ ولا يُلامُ المُرْشَدُ

بمعنى: أخْطَئوا الصوابَ. وهذا الوجهُ الذي يَرْغَبُ العبدُ إلى ربِّه في صَفْحِ ما كان منه مِن إثمٍ عنه، إلا ما كان مِن ذلك كفرًا.

والآخرُ منهما: ما كان منه على وجهِ الجهلِ به، والظنِّ منه بأن له فِعْلَه، كالذي يَأْكُلُ في شهرِ رمضانَ ليلًا وهو يَحْسَبُ أن الفجرَ لم يَطْلُعْ، أو يُؤَخِّرُ صلاةً في يومٍ غَيْمٍ وهو يَنْتَظِرُ بتأخيرِه إياها دخولَ وقتِها، فيَخْرُجُ وقتُها وهو يَرَى أَن وقتَها لم يَدْخُلْ، فإن ذلك من الخطإِ الموضوعِ عن العبدِ الذي وضَع اللهُ ﷿ عن عبادِه الإثمَ فيه، فلا وجهَ لمسألةِ العبدِ ربَّه ألا يُؤاخِذَه به.

وقد زعَم قومٌ أن مسألةَ العبدِ ربَّه ألا يُؤاخِذَه بما نسِى أو أخْطَأ، إنما هو فعلٌ منه لما أمرَه به ربُّه ، أولمَا ندَبه إليه مِن التذلُّلِ له، والخضوعِ بالمسألةِ، فأما على وجهِ مسألتِه الصَّفْحَ عنه، فما لا وجهَ له عندَهم.

وللبيانِ على (٣) هؤلاء كتابٌ سنأتى فيه إن شاء اللهُ على ما فيه الكفايةُ لمن وُفِّق لفهمه.


(١) هو عبيد بن الأبرص الأسدى، والبيت في ديوانه ص ٤٢.
(٢) يلحون: يلومون.
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "عن".