للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى القولين في ذلك بالصوابِ عندى ما قاله ابنُ عباسٍ، وهو أن اللهَ سلَّم القومَ -بما أَرَى نبيَّه فى منامِه- مِن الفشلِ والتَّنازُعِ، حتى قوِيَت قلوبُهم، واجْتَرَأوا على حربِ عدوِّهم، وذلك أن قولَه: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ﴾. عَقِيبُ قوله: ﴿وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ﴾. فالذى هو أولى بالخبرِ عنه، أنه [سلَّمَهم منه] (١) جلَّ ثناؤُه ما كان مَخُوفًا منه، لو لم يُرِ نبيَّه مِن قلةِ القومِ في منامِه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤)﴾.

يقول تعالى ذكره: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ إذ يُرِى الله نبيَّه في منامِه المشركين قليلًا، وإذ يُرِيهم اللهُ المؤمنين إذ لَقُوهم في أعينِهم قليلًا، وهم كثيرٌ عددُهم، ويُقَلِّلُ المؤمنين فى أعينِهم؛ ليَتْرُكوا الاستعدادَ لهم فيَهُونَ على المؤمنين شوكتُهم.

كما حدَّثني ابنُ بَزيعٍ البَغْداديُّ، قال: ثنا إسحاقُ بنُ منصورٍ، عن إسرائيلَ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي عُبيدةَ، عن عبدِ اللَّهِ، قال: لقد قُلِّلوا في أعينِنا يومَ بدرٍ حتى قلتُ لرجلٍ إلى جنبى: تُراهم سبعين؟ قال أُراهم مائةً. قال: فأَسَرْنا رجلًا منهم، فقلنا: كم هم؟ قال (٢): ألفًا (٣).


(١) في ف: "سلمه منهم".
(٢) بعده فى م: "كنا". والمثبت مِن النسخ موافق لما في دلائل البيهقى.
(٣) تقدم تخريجه ٥/ ٢٥١، وأخرجه ابن مردويه -كما في تخريج الكشاف للزيلعي ٢/ ٣١، ٣٢ - مِن طريق إسرائيل به.