للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قرَأةِ المدينةِ والكوفةِ: ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ (١) بالرفعِ والتنوينِ على وَجْهِ الخبرِ على أنه ليس في الكأسِ لغوٌ ولا تأْثيمٌ. وقرَأه بعضُ قرَأةِ البصرةِ: (لا لَغْوَ فيها ولا تَأْثيمَ) (٢) نصبًا غيرَ منوَّنٍ، على وَجْهِ التَّبرئةِ.

والقولُ في ذلك عندي أنهما قراءتانِ معروفتانِ، فبأيَّتِهِما قرَأ القارئُ فمصيبٌ، وإن كان الرفعُ والتنوينُ أعجبَ القراءتين إليَّ؛ لكثرةِ القَرَأةِ بها، وأنها أصحُّ المَعْنَيَيْن.

القولُ في تأويلِ قوله ﷿: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٥)﴾.

قال أبو جعفرٍ : يقولُ تعالى ذكرُه: ويطوفُ على هؤلاء القومِ الذين وصَف صفتَهم في الجنةِ غِلْمانٌ لهم، كأنهم لؤلؤٌ في بياضِه وصفائِه، ﴿مَكْنُونٌ﴾. يعني: مَصُونٌ في كِنٍّ، فهو أنْقَى له، وأصْفَى لبياضِه. وإنما عنَى بذلك أن هؤلاء الغلمانَ يطوفون على هؤلاء المؤمنين في الجنةِ بكُئُوسِ الشرابِ التي وصَف جلَّ ثناؤُه صفتَها.

وقد حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ﴾: ذُكِر لنا أن رجلًا قال: يا نبيَّ اللَّهِ، هذا الخادمُ، فكيف المخدومُ؟ قال: "والذي نفسُ محمدٍ بيدِه، إن فضلَ المخدومِ على الخادمِ، كفَضْلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ".

وحدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا ابنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ في قولِه: ﴿كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ﴾. قال: بلَغني أنَّه قيل: يا رسولَ اللَّهِ، هذا الخادِمُ مثلُ


(١) وهي قراءة نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي. ينظر حجة القراءات ص ٦٨٣.
(٢) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو. المصدر السابق