للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعضُ نحويِّي الكوفةِ (١): ﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾: المفتونُ (٢) ههنا بمعنى الجنونِ، وهو في مذهبٍ الفُتُونُ، كما قالوا: ليس له معقولٌ ولا مجلودٌ (٣). قال: وإن شئتَ جَعَلْتَ ﴿بِأَيِّكُمُ﴾: في أيِّكم؛ في أيِّ الفريقين المجنونُ. قال: وهو حينَئذٍ اسمٌ ليس بمصدرٍ.

وأولى الأقوالِ في ذلك عندي بالصوابِ قولُ مَن قال: معنى ذلك: بأيِّكم الجنونُ. ووَجَّه المفتونَ إلى الفتونِ بمعنى المصدرِ؛ لأن ذلك أظهرُ معاني الكلامِ، إذا لم يُنْوَ إسقاطُ الباءِ، وجعَلْنا لدخولِها وجهًا مفهومًا. وقد بيَّنَّا أنه غيرُ جائزٍ أن يكونَ في القرآنِ شيءٌ لا معنى له (٤).

وقولُه: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: إن ربَّك يا محمد هو أعلمُ بمن ضلَّ عن سبيلِه، كضلالِ كفارِ قريشٍ عن دينِ اللَّهِ وطريقِ الهدى، ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾. يقولُ: وهو أعلمُ بمَن اهْتَدَى، فاتَّبَع الحقَّ وأقَرَّ به، كما اهْتَدَيْتَ أنت فاتَّبَعْتَ الحقَّ. وهذا من مَعارِيضِ الكلامِ، وإنما معنى الكلامِ: إن ربَّك هو أعلمُ يا محمدُ بك، و [أنك لمهتدى] (٥)، وبقومِك مِن كفارِ قريشٍ، وأنهم لضالُّون (٦) عن سبيلِ الحقِّ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١)﴾.


(١) هو الفراء في معاني القرآن ٣/ ١٧٣.
(٢) سقط من: م.
(٣) في م: "معقود". وليس له مجلود، أي: ليس له جَلَد. اللسان (ف ت ن)، وينظر اللسان (ج ل د).
(٤) ينظر ما تقدم في ١/ ٢٢٥، ٢٢٦.
(٥) في م: "أنت المهتدى".
(٦) في م: "الضالون".