للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكُسِرتَ العينُ من قولِه: ﴿عِوَجًا﴾؛ لأن العرب كذلك تقولُ في كلِّ اعوِجاجٍ كان في دينٍ، أو فيما لا يُرَى شخصُه قائمًا (١) فيُدْرَكَ عِيانًا منتصبًا، كالعِوَج (٢) في الدين، ولذلك كُسِرتِ العينُ في هذا الموضعِ، وكذلك العِوَجُ في الطريقِ؛ لأنه ليس بالشخْصِ المُنْتصِبِ. فأما ما كان من عَوجٍ في الأشخاصِ المنتصبةِ قيامًا، فإن عينَها تُفْتَحُ، كالعَوَجِ في القناةِ والخشبةِ ونحوِها.

وكان ابن عباسٍ يقولُ في معنى قولِه: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا﴾: ولم يَجْعَلْ له مُلْتَبَسًا.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا عليٌّ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا﴾: ولم يَجْعَلْ له ملتبَسًا (٣).

ولا اختِلافَ أيضًا بينَ أهلِ العربيةِ في أنَّ معنى قولِه ﴿قَيِّمًا﴾ - وإن كان مؤخرًا - التقديمُ إلى جنبِ ﴿الْكِتَابَ﴾.

وقيل: إنما افتتَح جلَّ ثناؤُه هذه السورةَ بذكر نفسِه بما هو له أهلٌ، وبالخبرِ عن إنزالِ الكتابِ على رسولِه؛ إخبارًا منه للمشركين من أهلِ مكةَ بأن محمدًا رسولُه ، وذلك أن المشركين كانوا سأَلوا رسولَ اللهِ عن أشياء عَلَّمَهُمُوها اليهودُ من قريظةَ والنضيرِ، وأمَروهم بمسألتِهموها (٤)، وقالوا: إِنْ أخبرَكم بها فهو نبيٌّ، وإن


(١) بعده في ص: "فيه".
(٢) في م: "كالعاج".
(٣) تقدم تخريجه في ص ١٤٠.
(٤) في ت ١، ت ٢، م: "بمسألتهموه عنها".