للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجاهدٍ، قال: الدينُ الإخلاصُ.

وقولُه: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: أفغيرَ اللَّهِ أَيُّها الناسُ ﴿تَتَّقُونَ﴾. أي: تَرْهَبون وتَحْذَرون أن يَسْلُبَكم نعمة اللهِ عليكم، بإخلاصِكم العبادةَ لربِّكم، وإفرادِكم الطاعةَ له، وما لكم نافعٌ سواه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (٥٣)﴾.

اخْتَلَف أهلُ العربيةِ في وجهِ دخولِ الفاءِ في قولِه: ﴿فَمِنَ اللَّهِ﴾؛ فقال بعضُ البَصْرِيين: دخَلَتِ الفاءُ، لأن (ما) بمنزلةِ "مَن" فجعل الخبرَ بالفاءِ.

وقال بعضُ الكُوفيين (١): "ما" في معنى جزاءٍ، ولها فعلٌ مُضْمَرٌ، كأنك قلتَ: ما يَكُنْ بكم مِن نعمةٍ فمن اللهِ؛ لأن الجزاءَ لا بدَّ له مِن فعل مجزومٍ، إن ظهرَ فهو جزمٌ، وإن لم يَظْهَرْ فهو مُضْمَرٌ، كما قال الشاعرُ:

إِنِ العَقْلُ في أموالِنا لا نَضِقُ به … ذِراعًا وإن صبرًا فنَعْرِفُ للصبرِ

وقال: أراد إن يَكُنِ العقلُ، فأَضْمَره، قال: وإن جعَلْتَ "ما بكم" في معنى "الذي" جاز، وجعَلْتَ صِلَتَه "بكم" و"ما" في موضع رفعٍ بقولِه: ﴿فَمِنَ اللَّهِ﴾. وأدْخَل الفاءَ، كما قال: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ [الجمعة: ٨]. وكلُّ اسمٍ وُصِل مثلَ "مَن" و "ما" و "الذي" فقد يَجوزُ دخولُ الفاءِ في خبرِه؛ لأنه مضارعٌ للجزاءِ، والجزاءُ قد يُجابُ بالفاءِ، ولا يَجوزُ: أخوك فهو قائمٌ؛ لأنه اسمٌ غير موصولٍ، وكذلك تقولُ: ما لَك لى. فإن قلت: ما لَك. جاز أن تقولَ: ما لك فهو لى. وإن أَلْقَيْتَ الفاءَ فصوابٌ.


(١) الفراء في معاني القرآن ص ١٠٤، ١٠٥ والبيت فيه.