للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ جلّ ثناؤه: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ﴾، يا محمد، ما كان منك في إذنك لهؤلاء المنافقين الذين استأذنوك في تَرْكِ الخروج معك، وفى التَّخَلُّفِ عنك، مِن قبل أن تَعْلَمَ صِدْقَه مِن كَذِبِه، ﴿لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾. لأى شيءٍ أَذِنْتَ لهم؟ ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾، يقولُ: ما كان ينبغي لك أن تَأْذَنَ لهم في التَّخَلُّفِ عنك إذ قالوا لك: لو استَطَعْنا لخرجنا معك. حتى تَعْرِفَ مَن له العُذْرُ منهم في تَخَلُّفِه، ومَن لا عُذْرَ له منهم، فيكونَ إِذْنُكَ لمَن أَذِنْتَ له منهم على علمٍ منك بعُذْرِه، وتَعْلَمَ مَن الكاذب منهم المُتَخَلِّفُ نِفاقًا وشَكًّا في دين الله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾. قال: ناسٌ قالوا: اسْتَأْذنوا رسول الله ، فإن أذن لكم فاقْعُدُوا، وإن لم يَأْذَن لكم فاقْعُدُوا (١).

حدَّثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ الآية. عاتبه كما تَسْمَعون، ثم أنزل الله التي في سورة "النور"، فرَخَّص له في أن يَأْذَنَ لهم إن شاء، فقال: ﴿فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ﴾ [النور: ٦٢].


(١) تفسير مجاهد ص ٣٦٩، ومن طريقه ابن أبي حاتم ٦/ ١٨٠٥، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٢٤٧ إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.