للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرجلُ. بمعنى: عَلِم. فإذ كان ذلك كذلك، فقد وجَب أن يكونَ اللهُ تعالى ذكرُه قال للملائكةِ -على تأويلِ قولِ هذا الذى حكَيْنا قولَه في هذه الآيةِ-: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. وهو يَعْلَمُ أنهم غيرُ صادقين، يُرِيدُ بذلك أنهم كاذِبون، وذلك هو عينُ ما أنْكَره؛ لأنه زعَم أن الملائكةَ لم تَدَّعِ شيئًا، فكيف جاز أن يقالَ لها (١)؛ إن كنتم صادقين فأنبِئونى بأسماءِ هؤلاء (٢)؟ مع خروج هذا القولِ الذى حكَينا عن صاحبِه، مِن أقوالِ جميعِ المُتَقَدِّمين والمُتَأخِّرِين مِن أهلِ التأويلِ والتفسيرِ.

وقد حُكِى عن بعضِ أهلِ التفسيرِ أنه كان يَتأوَّلُ قولَه: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. بمعنى: إذ كنتم صادقين.

ولو كانت ﴿إِنْ﴾ بمعنى "إذ" في هذا الموضعِ، لَوجَب أن تكونَ قراءتُها بفتحِ ألفِها؛ لأن "إذ" إذا تقَدَّمها فعلٌ مُستَقبَلٌ، صارت علةً للفعل وسببًا له، وذلك كقولِ القائلِ: أقومُ إذ قمتَ. فمعناه: أقومُ مِن أجلِ أنك قمتَ. والأمرُ بمعنى الاستِقبالِ. فمعنى الكلامِ لو كانت ﴿إِنْ﴾ بمعنى "إذ": أنبِئونى بأسماءِ هؤلاءِ مِن أجلِ أنكم صادِقون. فإذا وُضِعَت "إن" مكان (٣) ذلك، قيل: أنبِئونى بأسماءِ هؤلاءِ أن كنتم صَادقين. مفتوحةَ الألفِ. وفى إجماعِ جميعِ قَرأةِ أهلِ الإسلامِ على كسرِ الألفِ مِن ﴿إِنْ﴾ دليلٌ واضحٌ على خطأِ تأويلِ مَن تأوَّل ﴿إِنْ﴾ بمعنى "إذ" في هذا الموضعِ.

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ


(١) سقط من: ت ١، ت ٢، وفى م: "لهم".
(٢) بعده فى م، ت ١، ت ٢: "هذا".
(٣) في ص: "في موضع".