للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢)﴾.

قال أبو جعفرٍ: وهذا خبرٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه عن ملائكته بالأوْبةِ إليه، وتسليمِ عِلْمِ ما [عَلِم ممّا] (١) لم يَعْلَموه له، وتَبَرِّيهم (٢) مِن أن يَعْلَموا أو يَعْلَمَ أحدٌ شيئًا إلا ما علَّمه تعالى ذِكرُه.

وفى هذه الآياتِ الثلاثِ العِبْرةُ لمن اعْتَبر، والذكْرَى لمن ادَّكَر، والبيانُ لمن كان له قلبٌ أو ألقَى السمعَ وهو شهيدٌ، عما أوْدَع اللهُ تعالى ذكرُه آىَ هذا القرآن مِن لَطائفِ الحِكَمِ التى تَعْجِزُ عن أوصافِها الألسنُ. وذلك أن اللهَ تعالى ذكرُه احْتَجَّ فيها لنبيِّه على مَن كان بين ظهرانَيْه مِن يهودِ بني إسرائيلَ، بإطلاعِه إياه مِن علومِ الغَيْبِ التى لم يكنْ تعالى ذكرُه أطْلَع عليها مِن خلقِه إلا خاصًّا، ولم يكنْ مُدْرَكًا علمُه إلا بالإنباءِ والإخبارِ؛ لتَتَقَرَّرَ عندَهم صحةُ نبوتِه، ويَعْلَموا أن ما أتاهم به فمِن عندِه، ودلَّ فيها على أن كلَّ مُخْبِرٍ خبرًا عما قد كان، أو عما هو كائنٌ مما لم يكنْ ولمّا يَأْتهِ به خبرٌ، ولم يُوضَعْ له على صحتِه بُرهانٌ، فمُتَقَوِّلٌ ما يَسْتَوْجِبُ به مِن ربِّه العقوبةَ.

ألا [تَرَى أن] (٣) اللهَ ردَّ على ملائكتِه قِيلَهم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾. وعرَّفهم أن قِيلَ ذلك لم يكنْ جائزًا لهم، بما عرَّفهم مِن قُصورِ علمِهم عندَ عَرْضِه ما عرَض عليهم مِن أهلِ الأسماءِ، فقال: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. فلم يَكُنْ لهم مَفْزَعٌ إلا الإقرارُ بالعجزِ والتَّبَرِّى إليه أن يعلَموا إلّا مَا علَّمَهم بقولِهم: ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾. فكان في ذلك أوضحُ


(١) في ص، ت ١، ت ٢: "إن".
(٢) في ت ١، ت ٢: "تنزيههم".
(٣) في ر: "تسمعون"، وفى ت ١، ت ٢: "يسمعون".