للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقولُ الذي قلناه هو وجهُ الكلامِ والمعنى الصحيحُ؛ لأن الله تعالى ذكرُه أخبَر عن عبادةِ هؤلاء الكفارِ من دونِه، فأَوْلَى الكلامِ أن يُتْبِعَ ذلك ذمَّه إياهم وذمَّ فعلِهم، دونَ الخبرِ عن هوانِهم على ربِّهم، ولمّا يجرِ لاستكبارِهم عليه ذكرٌ، فيتبَعَ بالخبرِ عنْ (١) هوانِهم عليه.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٥٦) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٥٧)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : وما أَرْسَلْناك يا محمدُ إلى من أرسلناك إليه، إِلَّا مبشِّرًا بالثوابِ الجزيلِ مَن آمَن بك وصدَّقك، وآمَن بالذي جئتَهم به من عندى وعملوا به، ونذيرًا لمن كذَّبك وكذَّب ما جئتَهم به من عندى، فلم يصدِّقوا به ولم يعمَلوا.

﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾. يقولُ له: قلْ لهؤلاء الذين أرسلتُك إليهم: ما أسألُكم يا قومِ على ما جئتُكم (٢) به من عندِ ربِّى أجرًا، فتقولون (٣): إنما يطلُبُ محمدٌ أموالَنا بما يدعونا إليه، فلا نَتَّبعُه، كيما لا نعطيَه من أموالِنا شيئًا، ﴿إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾. يقولُ: لكنْ من شاءَ منكم اتَّخذ إلى ربِّه ﴿سَبِيلًا﴾ طريقًا بإنفاقِه من مالِه في سبيلِه، وفيما يقرِّبُه إليه من الصدقةِ والنفقةِ في جهادِ عدوِّه، وغيرِ ذلك من سبلِ الخيرِ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (٥٨)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: وتوكَّلْ يا محمدُ على الذي له الحياةُ الدائمةُ، التي لا موتَ معها، فثِقْ به في أمرِ ربِّك، وفوِّضْ إليه، واستسلِمْ له، واصبِرْ على ما نابك فيه


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "علي".
(٢) في م، ت ١، ت ٢: "جئتهم".
(٣) في ت ٢، ف: "فيقولون".