للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذكرُه: فإذا ركِب هؤلاء المشركون السفينةَ في البحرِ، فخافوا الغرَقَ والهلاكَ فيه، ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾. يقولُ: أخْلَصوا للهِ -عندَ الشِّدَّةِ التي نزلَت بهم- التوحيدَ، وأفْرَدوا له الطاعةَ، وأذْعَنوا له بالعبودةِ، ولم يَسْتَغِيثوا بآلهتِهم وأنْدادِهم، ولكن باللهِ الذى خَلَقَهم، ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ﴾. يقولُ: فلمَّا خَلَّصهم مما كانوا فيه وسَلَّمهم، فصاروا إلى البَرِّ، إذا هم يجعَلون مع اللهِ شريكًا في عبادتِهم، ويَدْعون الآلهةَ والأوثانَ معه أربابًا.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾: فالخلقُ كلُّهم يُقِرُّون للهِ أنه ربُّهم، ثم يُشركون بعدَ ذلك (١).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (٦٧)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: فلما نجَّى اللهُ هؤلاء المشركين مما كانوا فيه في البحرِ من الخوفِ والحَذَرِ مِن الغَرَقِ إلى البَرِّ، إذا هم بعد أن صاروا إلى البَرِّ، يُشركون باللهِ الآلهة والأنْدادَ، ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾. يقول: ليَجْحَدوا نعمةَ اللهِ التي أنعَمها عليهم في أنفسِهم وأموالِهم.

﴿وَلِيَتَمَتَّعُوا﴾. اختلَفت القرأةُ فى قراءةِ ذلك؛ فقرأَته عامةُ قرأةِ المدينةِ والبصرةِ: ﴿وَلِيَتَمَتَّعُوا﴾ بكسرِ "اللامِ"، بمعنى: وكي يَتَمَتَّعوا آتَيناهم ذلك (٢). وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفيِّين: (وَلْيَتَمَتَّعُوا) بسكونِ "اللامِ"، على وَجْهِ الوعيدِ


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٩/ ٣٠٨٢ من طريق يزيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ١٤٩، ١٥٠ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) هي قراءة أبي عمرو وابن عامر وعاصم ورواية عن نافع. السبعة ص ٥٠٢، ٥٠٣.