للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد دَلَّلْنا فيما مضَى على المعنى الذي مِن أجلِه قيلَ: الأرض. ولم تُجْمَعْ كما جُمِعَتِ السماواتُ، فأغْنَى ذلك عن إعادَتِهِ (١).

فإن قال لنا قائلٌ: وهل للسماواتِ والأرضِ خَلْقٌ هم غيرُها، فيقالَ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾؟!

قيل: قد اخْتُلِف في ذلك؛ فقال بعضُ الناسِ: لها خلقٌ هو غيرُها. واعْتَلُّوا في ذلك بهذه الآيةِ، وبالتي في سورةِ "الكهفِ": ﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الكهف: ٥١]، وقالوا: لَمْ يخْلُقِ اللهُ شيئًا إلَّا واللهُ له مريدٌ. قالوا: فالأشياءُ كانت، بإرادةِ اللهِ، والإرادةُ خَلْقٌ لها.

وقال آخرون: خلْقُ الشيءِ صفةٌ لهُ، لَا هِي هُو، ولَا هي (٢) غيرُه.

وقالوا: لو كان غيرَه لوَجَب أن يكونَ مِثْلُه موصوفًا. قالوا: ولو جازَ أن يكونَ خَلْقُه غيرَه وأن يكونَ موصوفًا لوَجَب أن تكون له صفةٌ هي له خَلْقٌ، ولو وَجَب ذلك كذلكَ، لَمْ يكنْ لذلك نهايةٌ. قالوا: فكان معلومًا بذلك أنه صفةٌ للشيْءِ. قالوا: فخَلْقُ السماواتِ والأرضِ صفةٌ لهما، على ما وَصَفْنا. واعْتَلُّوا أيضًا بأن للشيْءِ خلقًا ليس هو به، من كتابِ اللهِ بنَحْوِ الذي اعْتَلَّ به الأَوَّلون.

وقال آخرون: خَلْقُ السماواتِ والأرضِ، وخلقُ كلِّ مخلوقٍ، هو ذلك الشيْءُ بعينِه لا غيرُه. فمعنى قولِه: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: إنَّ في السماواتِ والأرضِ.

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾.


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٤٥٩ وما بعدها.
(٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢.