للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعنِي جل ثناؤُه بقولِه: ﴿وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾: وتَعاقُبِ الليلِ والنهارِ عليكم أيها، الناسُ، وإنَّما الاختلافُ في هذا الموضِعِ الافْتِعالُ، مِن خُلُوفِ كلِّ واحدٍ منهما الآخرَ، كما قال عز ذكرُه: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان: ٦٢] بمعنى أنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَخْلُفُ مكانَ صاحبِه، إذا ذهبَ الليلُ جاء النهارُ بعدَه، وإذا ذهبَ النهارُ جاء الليلُ خِلَافَه (١).

ومِن ذلك قيل: خَلَف فلانٌ فلانًا في أهلِه بسوءٍ. ومنه قولُ زُهيرٍ (٢):

بها العِينُ والآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً … وأطْلاؤُها يَنْهَضْنَ مِن كُلِّ مَجْثَمِ (٣)

وأما "الليلُ" فإنه جمعُ لَيْلَةٍ، نظيرُ التَّمْرِ الذي هو جمعُ تَمْرَةٍ، وقد تُجمَعُ "ليالٍ"، فيَزِيدون في جمعِها ما لَمْ يكنْ في واحِدَتِها، وزيادتُهم الياءَ في ذلك نظيرُ زيادَتِهم إيَّاها في رَباعِيَةٍ وثَمانِيَةٍ وكَراهِيَةٍ.

وأما "النهارُ" فإنه لا تكادُ العربُ تَجْمَعُه؛ لأنه بمنزلةِ الضَّوْءِ، وقد سُمِع في جمعِه "النُّهُر"، قال الشاعرُ (٤):

لَوْلا الثَّرِيدانِ هَلَكْنا بالضُّمُرْ … ثَريدُ لَيْلٍ وثَريدٌ بالنُّهُرْ

ولو قِيل في جمعِ قليلِه: أنْهِرَةٌ. كان قياسًا.


(١) في م، ت ١، ت ٣: "خلفه". وهما بمعنًى.
(٢) شرح ديوانه ص ٥.
(٣) العين: البقر، الواحدة عَيْناء، والذكر أعْيَن، وسميت عينا لسعة أعينها. والآرام: الظباء البيض الخوالص البياض. خلفة: يعني إذا مضى فوج جاء آخر. أطلاؤها: جمع طلا وهو ولد البقرة وولد الظبية الصغير. وينهضن من كل مجثم: أراد أنهن يُنِمن أولادهن إذا أرضعنهن ثم يرعين، فإذا ظنن أن أولادهن أنفدن ما في أجوافهن من اللبن صَوَّتن بأولادهن فينهضن ليشربن. المجثم من جَثَم: إذا لزم مكانه فام يبرح أو لصِق بالأرض. ينظر شرح ديوان زهير ص ٦، ٧.
(٤) البيت في: الأزمنة والأمكنة ص ٧٧، والمخصص ٩/ ٥١ واللسان (ن هـ ر).