للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما قلنا: ذلك أولى بتأويلِ الآيةِ؛ لأنّ ذلك عَقِيبَ قولِه: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾. وقد دلَّلنا فيما مضَى - على أنَّه عنَى بذلك أهلَ مكةَ (١). فإذ كان ذلك عَقِيبَ خبرِ اللَّهِ عمَّا كان المشركون أرادوا من استِفْزازِهم رسولَ اللَّهِ ليخرِجُوه عن مكةَ، كان بيِّنًا، إذ كان اللَّهُ قد أخرَجَه منها، أن قولَه له (٢): ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾. أمرٌ منه لَه بالرغبةِ إليه في أن يُخرِجَه من البَلْدَةِ التي هَمَّ المشركون بإخْراجِه منها [وأَخْرَجَه اللَّهُ منها] (٣) مُخرَجَ صِدقٍ، وأن يدخِلَه البلدةَ التي نقَله (٤) اللَّهُ إليها مُدخَلَ صِدقٍ.

وقولُه: ﴿وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾. اختلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: معنَى ذلك: واجعلْ لِي مُلْكًا ناصرًا ينصُرُني على من ناوأنى، وعِزًّا أقيمُ به دينَك، وأدفَعُ به عنه مَن أراده بسوءٍ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بن بزيعٍ، قال: ثنا بشرُ بنُ المفضَّلِ، عن عوفٍ، عن الحسنِ في قولِ اللَّهِ ﷿: ﴿وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾: يُوعِدُه لَيَنْزِعَنَّ مُلكَ فارسَ وعِزَّ فارسَ، ولَيجعَلَنَّه له، وعِزَّ الرُّومِ ومُلكَ الرومِ، ولَيَجْعَلَنَّه له (٥).


(١) تقدم في ص ١٩، ٢٠.
(٢) سقط من: م.
(٣) سقط من: م.
(٤) في ص، ت ٢، ف: "قبله".
(٥) ذكره القرطبي في تفسيره ١٠/ ٣١٣، والبغوى في تفسيره ٥/ ١٢٢، وابن كثير في تفسيره ٥/ ١٠٩.