للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: ﴿تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ﴾. ولم يَقُلْ: تأتى به الملائكةُ. وما جرَّتْه البَقَرُ (١) على عَجَلٍ، وإن كانت الملائكةُ هي سائِقَتَها، فهي غيرُ حاملته؛ لأن الحملَ المعروفُ هو مباشرةُ الحاملِ بنفسِه حَمْلَ ما حمَل، فأما ما حمَله على غيرِه، وإن كان جائزًا في اللغةِ أن يقال (٢): حَمَلَه، بمعنى مَعونتِه الحاملَ، أو بأنّ حَمْلّه كان عن سبِبِه، فليس سبيلُه سبيلَ ما باشَر حَمْلَه بنفسِه في تَعارُفِ الناسِ إِيَّاه بينَهم. وتوجيهُ تأويلِ القرآنِ إلى الأشْهَرِ من اللغاتِ، أولى من توجيهِه إلى الأنكرِ (٣)، ما وُجِد إلى ذلك سبيلٌ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨)﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بذلك أن نبيَّه شَمْوِيلَ قال لبني إسرائيلَ: إن في مَجِيئِكم التابوتُ فيه سكينةٌ من ربِّكم، وبَقِيةٌ مما ترَك آلُ موسى وآلُ هارونَ، حامِلَته الملائكةُ ﴿لَآيَةً لَكُمْ﴾ يعنى: لعلامةً لكم ودَلالةً أيُّها الناسُ على صدْقى فيما أخبَرْتُكم، أن الله بعث لكم طالوتَ مَلِكًا، أن كنتم قد كذَّبتمونى فيما أخبَرْتُكم به من تمليك الله إياه عليكم، واتَّهَمْتمونى في خبرى إياكم بذلك، ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. يعنى بذلك: إن كنتم مُصَدِّقيَّ عند مجئ الآية التي سألتُمونيها على صدقى فيما أخبرتكم به من أمر طالوت ومُلكه.

وإنما قلنا: ذلك معناه؛ لأن القومَ قد كانوا كفَروا بالله في تكذيبهم نبيَّهم، وردِّهم عليه قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ بقولهم: هو ﴿أَنَّى


(١) في س: "الملائكة".
(٢) بعده في النسخ: "في".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "أن لا يكن"، وفى م: "أن لا يكون الأشهر". والمثبت هو الصواب، ورسمه في ص يحتمل ما أثبتناه.