للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تفسير سورةِ "الكافرون"

القولُ في تأويل قوله جلَّ ثناؤُه وتقدَّست أسماؤُه: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)﴾.

يقول تعالى ذكره لنبيِّه محمدٍ وكان المشركون من قومه فيما ذُكر عَرَضوا عليه أن يعبُدوا اللَّهَ سَنةً، على أَنْ يَعْبُدَ نبيُّ اللَّهِ آلهتهم سنةً، فأَنزَلَ اللَّهُ مُعَرِّفه جوابهم في ذلك -: قلْ يا محمدُ لهؤلاءِ المشركين الذين سألوك عبادةَ آلهتِهم سنةً، على أن يَعْبُدوا إلهَك سنةً: ﴿يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ باللَّهِ،

﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ مِن الآلهةِ والأوثانِ الآنَ،

﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ الآنَ،

﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ﴾ فيما أستقبِلُ، ﴿مَا عَبَدْتُمْ﴾ فيما مضى،

﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ﴾ فيما تَستَقْبلون أبدًا، ﴿مَا أَعْبُدُ﴾ أنا الآنَ وفيما أستقبلُ.

وإنما قيل ذلك كذلك؛ لأنَّ الخطاب من اللَّهِ كان لرسوله في أشخاصٍ بأعيانهم من المشركين، قد عُلم أنهم لا يؤْمِنون أبدًا، وسبَق لهم ذلك في السابقِ مِن علمِه، فأمَر نبيَّه اللَّهِ أن يُؤْيِسَهم مِن الذي طَمِعوا فيه وحدَّثوا به أنفسهم، وأنَّ ذلك غيرُ كائنٍ منه ولا منهم في وقتٍ من الأوقاتِ، وآيَس نبيَّ اللَّهِ مِن الطمعِ في إيمانِهم، ومن أنْ يُفلِحوا أبدًا، فكانوا كذلك لم يُفْلِحوا ولم يُنْجِحوا، إلى أنْ قُتِل بعضُهم يومَ بدرٍ بالسيفِ، وهلَك بعضٌ قبَل ذلك كافرًا.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ، وجاءت به الآثارُ.