للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (٩٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: فمن عمِل مِن هؤلاءِ الذين تفرَّقوا في دينِهم بما أمرَه اللَّهُ به مِن العملِ الصالحِ، وأطاعَه في أمرِه ونهيِه، وهو مُقِرٌّ بوحدانيَّةِ اللَّهِ، مُصدِّقٌ بوعدِه ووعيدِه، مُتَبَرِّئٌ مِن الأندادِ والآلهةِ، ﴿فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾. يقولُ: فإن اللَّهَ يَشكُرُ عملَه الذي عمِل له مُطيعًا له، وهو به مؤمنٌ، فيُثِيبُه في الآخرةِ ثوابَه الذي وعَد أهلَ طاعتِه أن يُثِيبَهُموه، ولا يَكْفُرُ ذلك له فيَجْحَدَه ويَحْرِمَه ثوابَه على عملِه الصالحِ، ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾. يقولُ: ونحن نَكتُبُ أعمالَه الصالحةَ كلَّها، فلا نَترُكُ منها شيئًا؛ لنَجْزِيَه على صغير ذلك وكبيرِه، وقليلِه وكثيرِه.

قال أبو جعفرٍ: والكُفْرانُ مَصْدرٌ مِن قولِ القائلِ: كَفَرْتُ فُلانًا نِعْمَتَه، فأنا أَكْفُرُه كُفْرًا وكُفْرانًا. ومنه قول الشاعرِ (١):

مِن الناسِ ناسٌ (٢) ما تَنامُ خُدودُهمْ … وخَدِّي ولا كُفْرانَ للَّهِ نائِمُ

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (٩٥)﴾.

اخْتَلَفت القرأَةُ في قراءة قوله: ﴿وَحَرَامٌ﴾؛ فقرأتْه عامَّةُ قرأةِ أهلِ الكوفةِ: (وحِرْمٌ). بكسرِ الحاءِ (٣).

وقرَأ ذلك عامَّةُ قرأة أهلِ المدينةِ والبَصْرةِ: ﴿وَحَرَامٌ﴾، بفتحِ الحاءِ والألفِ (٤).

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أنهما قِراءَتانِ مَشْهورتانِ مُتَّفِقَتا المَعْنَى، غيرُ


(١) مجاز القرآن لأبي عبيدة ٢/ ٤٢ وجمهرة اللغة ٣/ ٤١٥ غير منسوب.
(٢) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ف.
(٣) وهى قراءة حمزة والكسائي وأبى بكر عن عاصم. السبعة لابن مجاهد ص ٤٣١.
(٤) وهى قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم. المصدر السابق.