للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (٣٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: وقضَى أيضًا أن لا تقرَبُوا مالَ اليتيمِ بأكلٍ، إسرافًا وبدَارًا أن يَكْبَروا، ولكن اقرَبُوه بالفَعْلةِ التي هي أحسنُ، والخَلَّةِ التي هي أجملُ، وذلك أن تَتَصَرَّفوا فيه له بالتثميرِ والإصلاحِ والحَيْطةِ.

وكان قتادةُ يقولُ في ذلك ما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾: لمَّا نزَلت هذه الآيةُ، اشتدَّ ذلك على أصحابِ رسولِ اللهِ ، فكانوا لا يُخالِطُونهم في طعامٍ أو أكلٍ ولا غيرِه، فأنزَل اللهُ : ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠]. فكانت هذه لهم فيها رُخصةً (١).

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾. قال: كانوا لا يُخالِطُونهم في مالٍ ولا مأكلٍ ولا مَرْكَبٍ، حتى نزَلت: ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ (٢).

وقال ابن زيدٍ في ذلك ما حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾. قال: الأكلُ بالمعروفِ، أن تأكُلَ معه إذا احْتَجتَ إليه. كان أَبيٌّ يقولُ ذلك.

وقولُه: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾. يقولُ: حتى يَبْلُغَ وقت اشتدادِه في العقلِ، وتدبيرِ مالِه، وصلاحِ حالِه في دينِه. ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾. يقولُ: وأَوْفُوا بالعَقدِ


(١) تقدم تخريجه في ٣/ ٧٠٠، كما عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ١٨١ إلى المصنف.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ١/ ٨٩، ٣٧٧، ٣٧٨ عن معمر به.