للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجاهدٍ: ﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾. قال: المؤمنون (١).

وقولُه: ﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وكثيرٌ مِن بنى آدمَ حقَّ عليه (٢) عذابُ اللَّهِ، فوجَب عليه بكفرِه به، وهو مع ذلك يَسْجُدُ اللَّهِ ظلُّه.

كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: ﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾: وهو يَسْجُدُ مع ظلِّه (١).

فعلى هذا التأويلِ الذي ذكَرْناه عن مجاهدٍ وقَع قولُه: ﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾. بالعطفِ على قولِه: ﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾. ويكونُ داخلًا في عِدادٍ مَن وصَفَه اللَّهُ بالسجودِ له، ويكونُ قولُه: ﴿حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾. مِن صلةِ: ﴿كَثِيرٌ﴾. ولو كان "الكثيرُ" الثاني ممن لم يَدْخُلُ في عِدادٍ مَن وُصِف بالسجودِ، كان مرفوعًا بالعائدِ مِن ذكرِه في قولِه: ﴿حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾. وكان معنى الكلامِ حينَئذٍ: وكثيرٌ أبَى السجودَ؛ لأن قولَه: ﴿حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾ يَدُلُّ على معصيةِ اللَّهِ وإبائِه السجودَ، فاسْتَحَقَّ بذلك العذابَ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (١٨)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ومَن يُهِنْه اللَّهُ مِن خلقِه فيُشْقِه ﴿فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾. بالسعادةِ يُسْعِدُه بها؛ لأن الأمورَ كلَّها بيدِ اللَّهِ، يُوَفِّقُ مَن يَشاءُ لطاعتِه، ويَخْذُلُ مَن يَشاءُ، ويُشْقِى مَن أراد، ويُسْعِدُ مَن أحَبَّ.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٣٤٨ إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) بعده في ت ١: "العذاب أي"، وبعده في ت ٢: "العذاب".