للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾.

إن قال لنا قائلٌ: وما هذا الكلامُ مِن قولِه: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾. ولا خبرَ مضَى (١) قبلُ عن أحدٍ أنه أضاف الكفرَ إلى سليمانَ، بل إنما ذكَر اتباعَ مَن اتبعَ مِن اليهودِ ما تَلَته الشياطينُ، فما وجهُ نفىِ الكفرِ عن سليمانَ بعقبِ الخبرِ عن اتباعِ مَن اتبعَ (٢) الشياطينَ في العملِ بالسحرِ وروايتِه مِن اليهودِ؟

قيل: وجهُ ذلك أن الذين أضاف اللهُ جلّ ثناؤُه إليهم اتباعَ ما تلَته الشياطينُ على عهدِ سليمانَ من السحرِ والكفرِ من اليهودِ، نسَبوا ما أضافه الله تعالى ذكرُه إلى الشياطينِ من ذلك إلى سليمانَ بنِ داودَ، وزعَموا أن ذلك كان مِن عملِه (٣) وروايتِه، وأنه إنما كان يستعبِدُ من كان (٤) يستَعبِدُ من الإنسِ والجنِّ والشياطينِ وسائرِ خلقِ اللهِ بالسحرِ (٥)، فحسَّنوا بذلك -من ركوبِهم ما حرَّم اللهُ عليهم مِن السحرِ- لأنفسِهم عندَ من كان جاهلًا بأمرِ اللهِ ونهيِه، وعندَ من كان لا علمَ له بما أنزَل اللهُ فى ذلك مِن التوراةِ. وتبرَّأ -بإضافةِ ذلك إلى سليمانَ- من سليمانَ، وهو نبىُّ اللهِ صلى الله عليه، منهم بشرٌ، وأنكَروا أن يكونَ كان للهِ رسولًا، وقالوا: بل كان ساحرًا. فبرَّأ اللهُ جلَّ ثناؤُه سليمانَ بنَ داودَ من السحرِ والكفرِ عندَ من كان منهم يَنْسِبُه إلى السحرِ والكفرِ، لأسبابٍ ادَّعَوْها عليه قد ذكَرنا بعضَها قبلُ، وسنذكُرُ


(١) فى م، ت ٢، ت ٣: "معنا".
(٢) في م: "اتبعت"، وفى ت ٢، ت ٣: "اتبعته".
(٣) فى م، ت ٢: "علمه".
(٤) سقط من: م، ت ٢، ت ٣.
(٥) بعده في الأصل، ت ١: "دون الشياطين".